الثلاثاء، 12 مايو 2009

مفهوم العولمة الاقتصادية:قبل الولوج في عرض إيجابيات وسلبيات توجه الاقتصاديات الوطنية نحو العولمة، يجدر بنا اقتراح تعريف لظاهرة العولمة الاقتصادية وذلك من خلال التطورات المتسارعة التي طرأت على النظام الاقتصادي العالمي في السنوات الأخيرة. فقد كانت العلاقات الاقتصادية الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية سنوات الثمانينات من القرن العشرين تتسم بالتوجه نحو التدويل المتمثل في الانفتاح التدريجي للاقتصاديات الوطنية على المبادلات التجارية ورؤوس الأموال الأجنبية. إلا أنه منذ بداية التسعينات حدثت تطورات سريعة ومكثفة أعادت تشكيل النظام الاقتصادي الدولي، ومن ثم أصبح هذا النظام في ثوبه الجديد يتسم بالخصائص الهامة الآتية:-1-عولمة نمط الإنتاج الرأسمالي القائم على: التنافسية – التوجه نحو التوسعية واقتصاديات الحجم – التركيز الذي يفضي إلى الاحتكار – تسريع التحديث والتطور[i].2-عولمة النشاط المالي واندماج أسواق المال عن طريق إزالة القيود على تحركات رؤوس الأموال خاصة القصيرة الأجل والتي يطلق عليها الأموال الساخنة.3-تعاظم دور العلم والتقنية وتأثيرهما في التحكم في السيطرة على الاقتصاد العالمي باعتبارهما المفاتيح الأساسية لبناء القوة الاقتصادية والتنافسية الدولية في الوقت الراهن وتوجهات المستقبل. ونتيجة لذلك تمارس القوى المالكة للتقنية الحديثة سواء كانت دولاً أم شركات متعددة الجنسية دورًا متميزا في توجيه العالم نحو العولمة والتحرر الاقتصادي. ومن المتوقع أن تحصل هذه القوى على نصيب الأسد من مغانم العولمة. وفى هذا الصدد يشير أحد الباحثين إلى أن الشركات المتعددة الجنسيات التي لا تدين بالولاء إلا للأرباح تقوم بتوظيف المنجزات العلمية البارعة لمزيد من أحكام قبضة العالم على رقبة العالم الثالث[ii].4- تعاظم الدور الاقتصادي والسياسي والعسكري للولايات المتحدة الأمريكية: فقد أدى تغير مراكز القوى العالمية على أثر انهيار الشيوعية نظرية وتطبيقا إلى تفكيك الاتحاد السوفيتي السابق وارتماء دول أوربا الشرقية والكثير من دول العالم الثالث في أحضان الدول الصناعية الرأسمالية والمنظمات الدولية بهدف مساعدتها على التحول من الاقتصاديات المدارة مركزيا إلى اقتصاديات السوق الحر؛ هذا بالإضافة إلى فقدان أوربا للقيادة العالمية نتيجة للأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها في القرن العشرين[iii]. وكانت النتيجة الطبيعة انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بلا منازع بالهيمنة على مصائر العالم وتصرفها لا كقوة عظمى بل كالقوة العظمى الوحيدة في العالم من دون تنسيق مع أي شريك آخر ولا في إطار أية هيئة دولية جماعية[iv].5- تعاظم دور المنظمات الاقتصادية الدولية في إدارة الاقتصاد العالمي الجديد وإطلاق حرية المنافسة الاقتصادية حيث تشكل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي نظامًا اقتصاديا حاكما وحازما للعلاقات الدولية في المجالات التجارية والمالية. فبالنسبة للمؤسسات المالية الدولية تنامي دورهما في تصميم برامج التكيف الهيكلي والإصلاح الاقتصادي في دول العالم الثالث ودول أوربا الشرقية. ويكمن أحد أهداف هذه البرامج في إدماج هذه الدول في دورة الاقتصاد العالمي. أما منظمة التجارة العالمية التي دخلت اتفاقية إنشائها حيز التنفيذ في أول يناير 1995م وتضم الآن 145 دولة فتختص بالإشراف على التجارة الدولية والعمل على تحريرها من كافة القيود الكمية والنوعية.6- الاتجاه نحو التكتل الاقتصادي الإقليمي بهدف الاستفادة من الفرص التي تتيحها العولمة الاقتصادية وتدعيم القدرة على مواجهة التحديات التي تفرضها، ومن أمثلة ذلك: تكتل الاتحاد الأوربي، وتكتل دول النافتا، وتكتل دول الآسيان، وتكتل دول الإبيك. وينظر البعض إلى هذه التكتلات الاقتصادية الإقليمية على أنها خطوة نحو العالمية المطلوبة للتجارة الحرة بين دول العالم[v].7- تدويل بعض المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ مثل حقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعوب وقضايا السكان والفقر والتلوث البيئي وغسيل الأموال التي تم اكتسابها بطرق غير مشروعة[vi].من واقع الخصائص التي تميز الاقتصاد العالمي المعاصر والتي سبق إيضاحها عاليا، يمكن القول أن مفهوم العولمة الاقتصادية يتمثل من كونها النتاج الواقعي لتطور الرأسمالية الغربية في مرحلتها الأخيرة التي تتحكم فيها قوى دولية وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، هذه القوى تقود تيارا عالميا يستهدف سيادة اقتصاديات السوق وتحرير المعاملات الاقتصادية الدولية من كافة القيود المباشرة وغير المباشرة. وترتيبا على ذلك يمكن القول أن تيار العولمة الاقتصادية ينصرف إلى نشر نظم وعلاقات وقوى الإنتاج والتبادل والتوزيع الرأسمالية في دول الأطراف، على أن يتم ذلك بقيادة وسيطرة دول المركز الأصلي للرأسمالية والمنظمات الاقتصادية الدولية. وفي هذا الصدد يرى البعض أن العولمة هي رسملة العالم على مستوى العمق بعد أن كانت في السنوات الماضية رسملة العالم على مستوى سطح النمط ومظاهره [vii]؛ ويجمع هذا التيار الفكري بين العولمة الاقتصادية والليبرالية المتطرفة. ويرى البعض الآخر أن هناك اختلافاً بين هذين المفهومين ؛ فالعولمة عبارة عن ظاهرة تاريخية موضوعية لها إيجابياتها وسلبياتها، أما الليبرالية المتطرفة فعبارة عن ظاهرة أيديولوجية ذاتية تعطي لنفسها حق تسيير وإدارة العولمة وتسعى إلى فرض نفسها كمرادف للعولمة[viii]. ويمكن تقسيم مضمون العولمة الاقتصادية إلى أربعة مكونات أساسية هي:1- انتشار المعلومات والبيانات الاقتصادية وغير الاقتصادية بحيث تكون متاحة لجميع الشعوب. وقد ساعد على تدفق وذيوع هذه المعلومات التقدم الهائل في وسائل الموصلات والنقل والاتصالات والفضائيات وتقنية المعلومات.2- سهولة حركة السلع والخدمات والأموال والأشخاص الطبيعيين بين الدول مما يعني تلاشي أو على الأقل إضعاف الحدود السياسة للدول؛ وبالتالي تحل النظرة العالمية للأسواق محل النظرة المحلية أو القطرية.3- زيادة معدلات التشابه بين سلوك الجماعات وتنظيم وإدارة المجتمعات وأشكال المؤسسات الاقتصادية والسياسة والتنميط في أساليب الإنتاج وفى المنتجات من السلع والخدمات. ويرجع ذلك إلى أن حركة العولمة تتضمن تبني فلسفة السوق الحر داخل الدولة وفي معاملاتها الاقتصادية مع الدول الأخرى ومن ثم سيادة النظام الرأسمالي الديمقراطي الغربي.4- التوابع والتجليات للعولمة الاقتصادية في الميادين السياسية والثقافية، فالعولمة الاقتصادية تعطي وزنا هاما للمتغيرات السياسية والاجتماعية[ix]. فقد ارتبطت عملية العولمة الاقتصادية باتساع نطاق الثقافة الغربية وتعميق النمط الاستهلاكي الأوربي والأمريكي في شعوب العالم الثالث ومنها الدول الإسلامية، مثل نوعية الملابس التي يرتدونها وأنواع الطعام والشراب التي يفضلونها بل ومفردات الكلام التي ينطقون بها، فالتقدم في وسائل الاتصال كانت له بصمات على اتجاهات وميول الأفراد الثقافية والاستهلاكية في الكثير من دول العالم الإسلامي. علاوة على ذلك فإن العولمة الاقتصادية على الطريقة الأمريكية تبشر بنشر مجموعة من القيم التي تحكم الحياة السياسية في الغرب؛ مثل الديمقراطية والتعددية الحزبية واحترام حقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعوب ومكافحة الفساد وجرائم غسيل الأموال وحماية البيئة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق