السبت، 16 مايو 2009

ما هو المقصود بالعولمة ؟إذا العولمة هي : إلغاء الحدود والحواجز والقيود التي بين الدول والمجتمعات في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية الفكرية ، وجعل العالم موحد بلا فواصل زمنية أو مكانية .إن مصطلح العولمة من المصطلحات التي تستعمل بكثرة هذه الأيام، وكثيراً ما تتردد على مسامعنا في وسائل الإعلام المختلفة سواءً كانت المرئية منها أو المسموعة أو المقروءة ، وهي وبغض النظر عن إيجابياتها وسلبياتها ليست مقتصرةً على العولمة الاقتصادية ، وإن كان أكثر الحديث والتركيز حولها ، بل إنها تشمل جميع الجوانب الحياتية للإنسان المعاصر ، في السياسة والاقتصاد والثقافة ... إلخ . وهذا الأمر هو ما نلمس تأثيره بوضوح في هذه الأيام، ولا نحتاج لكي نثبته لتعمق واسع أو لتأمل كبير ، فنحن نلاحظ تأثر الكثير من أفراد مجتمعاتنا بالعادات والسلوكيات الغربية ، سواءً كانت هذه العادات في المأكل والمشرب من خلال مطاعم الوجبات السريعة المنتشرة في أغلب دول ومناطق العالم أو من خلال الملبس والمظهر ، حيث أصبحت بعض الملابس والمظاهر توجد في الكثير من الدول والمناطق (نفس الزي) أو كان ذلك بالتأثر بطريقة الكلام أو بأي شيء آخر ، المهم هو أن الكثير من هذه الأمور والأشياء أخذت الطابع والسمة العالمية ، وهذا هو بالتأكيد من نتاج العولمة التي أدت إلى تقارب العادات والسلوكيات ، وتقلص الفوارق بين المجتمعات والشعوب المختلفة .إن النتيجة التي نأخذها من الكلام السابق هي أن العالم اليوم يشهد ويعيش عصر العولمة في كافة المجالات الحياتية ، فالعولمة إذا ليست مقتصرة في المجالات الاقتصادية ، وليست كذلك محددة بأنشطة منظمة التجارة العالمية وفكرة تواجد الشركات العالمية ومتعددة الجنسيات في الأسواق المحلية للدول ، بل إنها متعددة في مجالات كثيرة ومتعددة ، ولهذا لا ينبغي حصر الحديث حول الآثار الاقتصادية للعولمة فقط ، بل يجب أن يكون الحديث عن آثارها بشكل عام وشامل ومتوازن ، بحيث يغطي ويشمل جميع أشكالها وأبعادها ، فمن الممكن أن تكون الآثار الاجتماعية والثقافية والفكرية للعولمة أكبر بكثير من آثارها الاقتصادية ، وإن كانت في وجهة نظري مترابطة ومتصلة فيما بينها - بعضها بالبعض الآخر- بمعنى أن لكل شكل أو لكل جانب منها ، آثاره وتأثيراته على الأشكال والجوانب الأخرى.
لماذا التركيز على التأثيرات الاقتصادية للعولمة ؟ إذا كانت العولمة وتأثيراتها ليست منحصرة في الجوانب الاقتصادية كما بينا وقلنا سابقاً ، فلماذا نلاحظ أن القلق الأعظم والهاجس الأكبر عند الكثير من الناس هو من الجانب الاقتصادي فقط ؟ !!ربما يكون السبب هو أن الجانب الاقتصادي هو الجانب المعلن عنه ، إذ أن تحققه لابد أن يكون من خلال اتفاقيات دولية – بموافقة الدولة أو بإرادتها – من خلال منظمة التجارة العالمية ، كما يرافق ذلك تصريحات إعلامية كثيرة لفترة زمنية ليست قصيرة ، فالعولمة الاقتصادية إذاً عملية منظمة ومخططة و واضحة التخطيط نسبياً (مقارنة بغيرها)، ولذلك نرى الكثير يعلم ويدرك مخاطرها وسلبياتها ولو بشكل إجمالي ، أما بالنسبة لتأثير العولمة في الجوانب الأخرى كـالجوانب الاجتماعية والثقافية لا تتم في العادة بصورة معلنة ، وليس بالضرورة كذلك أن تكون عملية مخططة ، كما لا تحتاج في الغالب إلى اتفاقيات وعمليات منظمة ، لأنها تعتمد بالدرجة الأولى على قوة التأثير من خلال الجذب أو الإقناع . إن هذا الأمر قد يجعل من تأثير العولمة على الجوانب الثقافية والاجتماعية أكبر من تأثيراتها على الجوانب الاقتصادية ، ولو تنازلنا قليلاً عن هذا القول لقلنا : بأنها على الأقل لا تقل تأثيراً عن العوامل الاقتصادية، وذلك لأنها غير معلنة مما يسبب جهل الكثير بها ، وعدم وعيهم لنتائجها وسلبياتها ، وهذا بدوره يؤدي إلى تجاهلها وعدم مقاومتها أو التصدي لها .
ولهذا لابد أن نكون متوازنين في نظرنا لجميع جوانب وأشكال العولمة ، فإذا كانت لدينا مخاوف من العولمة الاقتصادية ، فلابد أن يكون لدينا مخاوف مماثلة لها من العولمة في النواحي الأخرى كالعولمة الثقافية والفكرية والاجتماعية ، فمثلاً لو كنا نخاف من سحق الشركات العالمية ومتعددة الجنسيات لشركاتنا ومؤسساتنا المحلية والوطنية ، فلا بد لنا كذلك أن نخاف من تأثيرها على هويتنا وشخصيتنا الدينية والوطنية ، وإذا كنا نخشى من سيطرة الشركات العالمية ورجال الأعمال العالميين على الساحة المحلية ، فلا بد أن نخشى كذلك من تأثير الأفكار والثقافات السلبية الغربية على مجتمعاتنا المحلية، وإذا كنا نخاف ونخشى من إفلاسنا الاقتصادي من جراء العولمة الاقتصادية فمن باب أولى أن نخاف ونخشى من إفلاسنا الفكري والثقافي من جراء العولمة الثقافية والفكرية والاجتماعية ... وهكذا لابد أن نعيش حالة التوازن .

لماذا نخاف العولمة ؟ !! بمعنى : هل تخوفنا من العولمة مبرر أم أنه غير مبرر ؟؟ في وجهة نظري أن الخوف من العولمة أمر مبرر وهو عقلاني ومنطقي للآتي :
1. الخوف مبرر لأننا نجهل المستقبل ، فنحن لا نمتلك صورة كافية عن ما سوف يحدث في المستقبل من نتاج العولمة ، ونجهل الكثير من الحقائق عنها رغم محاولة البعض لشرح بعض جوانبها وآثارها (المستقبل المجهول).2. لأننا لا نثق بالآخر ، وكيف نطمئن وننعم بالراحة والسكون والثقة معدومة ؟ !!(فقدان الثقة).3. لأن لنا تجارب سيئة وسلبية مع الآخر ، أحياناً حتى لو كانت هناك أطروحات مستقبلية إيجابية نبقى متخوفين إذا كان تاريخنا مع الآخر سلبي (التجارب السلبية). 4. لأن الكل يبحث ويحرص على مصالحة الشخصية بغض النظر عن الآخر ومصالحة ، مما يؤدي إلى وجود حالة من عدم الاطمئنان ، وذلك لعدم وجود ضمان كافي لحماية المصالح خاصةً إذا كانت المصالح متناقضة(عدم ضمان المصلحة) .5. لأن ثقافة الآخر وقيمة وعاداته تختلف عن ثقافتنا وقيمنا ، مما يؤدي إلى الخوف من تأثير ذلك على هويتنا الدينية والثقافية والوطنية (اختلاف الثقافات). 6. لأننا لا نمتلك المقومات للمواجهة ، وبالخصوص في الجانب الاقتصاد ، فنحن في الدول النامية نخشى إلغاء الحواجز والحدود الاقتصادية وفتحها أما الأسواق والشراكات العالمية ، لأن مقدرتنا أقل بكثير من مقدرة الدول المتقدمة ، فالمنافسة إذا غير متكافئة أو معدومة فمن الطبيعي إذا وجود مثل هذه المخاوف (عدم امتلاك مقومات المواجهة).
كيفية المواجهة للتحديات ؟
إن المخاوف التي ذكرتها في السابق وقد يوجد غيرها الكثير ، هي مخاوف مبررة وعقلانية ، وهي كذلك تمثل تحديات صعبة أمامنا على الصعيد الاقتصادي والسياسي والقانوني والاجتماعي والفكري والثقافي ، ولذلك لابد لقياداتنا السياسية والفكرية وبالخصوص علماء الاقتصاد والقانون والاجتماع والنفس من فهم العولمة وتحليل آثارها على الفرد والمجتمع وتزويدنا بالطرق العلمية لمواجهتها ولتفادي آثارها السلبية قدر الإمكان .
كلمة الختام : عرفنا فيما سبق بأن العولمة ليست فقط اجتياح للأسواق المحلية للدول ، بل هي أيضاً اجتياح حتى للأفكار والثقافات والقيم ، ولكن ينبغي كذلك أن نعلم بأنه ليس بالضرورة أن تكون جميع نتائج وآثار العولمة سلبية بالكامل ، بل قد يكون فيها بعض النواحي الإيجابية ، وذلك إذا قامت على مبدأ المشاركة والتعاون بين الأمم والمجتمعات ، لا على مبدأ السيطرة والتحكم والاستغلال - أي التكامل الفعلي بينها وليس التكامل الاسمي – لذا لابد لنا من إيجاد حالة التوازن في التعاطي معها حتى ننعم بالإيجابيات ونتلافى السلبيات قد الإمكان ، ومقصودي من التوازن هنا : هو التوازن في كيفية الانفتاح على الآخر ، بحيث لا يعني هذا الانفتاح استحواذه علينا أو ذوباننا فيه ، فنحن لا نريد تذويب شخصيتنا وقيمنا وثقافتنا في الآخر ، ولا نريد كذلك أن نعيش في عزلة عن الآخر ، بل نريد المشاركة والتفاعل الإيجابي معه بما يضمن تحقيق مصالح جميع الأطراف بلا أي استغلال أو استغفال .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق