الأحد، 3 مايو 2009

مصطفى العبد الله الكفري الحوار المتمدن - العدد: 543 - 2003 / 7 / 17 4.8 / 5 Rate this article More from same author -->
العولمة - المفهوم والمصطلح
توضيح معنى العولمة ليس مجرد مسألة معرفية

إن مسألة البحث والتحليل وتوضيح معنى العولمة ليس مجرد مسألة معرفية ، مجردة، فحسب ، لان معرفة علمية بواقع (العولمة) أضحت ضرورة سياسية واقتصادية لتوضيح الأساليب والوسائل الجديدة للدفاع عن مصالح الشعوب العالمثالثية ومنها شعبنا العربي ، في وجه أنظمة العولمة الأكثر حداثة في السيطرة والاستغلال والأكثر شراسة في انطلاق التوحش الرأسمالي في أعلى قدراته من حيث استخدام أرقى منجزات العلم والتكنولوجيا والمعلوماتية وشبكات الاتصال ، بهدف أساسي : استثمار شعوب العالم وتحويل كل قدراتها إلى مؤسسات هائلة تملكها شركات محدودة العدد ، تسيطر على كوكب الأرض والفضاء الخارجي والحكومات.
العولمة هي التداخل الواضح لأمور السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة ، أو الانتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة، ودون حاجة إلى إجراءات حكومية . فالعولمة هي إكساب الشيء طابع العالمية ، وجعل نطاقه وتطبيقه عالمياً .
على المستوى الاقتصادي ، تفترض العولمة أن العمليات والمبادلات الاقتصادية تجري على نطاق عالمي ، بعيداً عن سيطرة الدولة القومية . بل : إن الاقتصاد القومي يتحدد بهذه العمليات . وهذا الوضع مغاير تماماً ، لما كان عليه الحال في السابق ، حين كانت الاقتصادات القومية هي الفاعلة ، أما الاقتصاد العالمي فهو ثمرة تفاعلاتها .
أضحت ظاهرة العولمة الهاجس الطاغي في المجتمعات المعاصرة ، فهي تستقطب اهتمام الحكومات والمؤسسات ومراكز البحث ووسائل الإعلام . وتعاظم دور العولمة وتأثيرها على أوضاع الدول والحكومات وأسواقها وبورصاتها ومختلف الأنشطة الاقتصادية فيها . ما هي العولمة ؟ وما هي الآثار الاقتصادية للعولمة على البلدان العربية ؟ هذا ما تحاول الدراسة الإجابة عليه .
ما هي العولمة ؟
1 ـ هل هي ثورة المعلوماتية الكونية ؟ أم أوتوستراد المعلوماتية ؟
2 ـ هل هي ثورة الاتصالات والمواصلات الفائقة السرعة ؟ أم الإنترنت ؟
3 ـ هل هي من إفرازات ثورة المعلوماتية وما يرافقها من تطور في مجال الاتصال والإعلام ؟
4 ـ هل تعني أن العالم قرية واحدة ؟
5 ـ هل هي تسارع حركة التبادل التجاري وحريتها ، وتضخيم حجمها بأرقام فلكية على مستوى العالم كله ؟
6 ـ هل تشمل مجال المال والتسويق والمبادلات والإنتاج ؟
7 ـ هل هي توحيد الاستهلاك وخلق عادات استهلاكية على نطاق عالمي ؟
8 ـ هل هي الغزو الثقافي والدفق الآتي عبر الشاشات المختلفة ؟
9 ـ هل هي الاستعمار ؟ أم الإمبريالية ؟ أم ما بعد الاستعمار ؟
10 ـ هل هي هيمنة القطب الواحد على النظام العالمي؟
11 ـ هل هي أمركة العالم ؟ كما قال أحد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية: (قدرنا أمركة العالم)
12 ـ هل هي الانتقال الفكري والعلمي والمعرفي بين الشعوب؟
13 ـ أم هي كل ما ورد أعلاه مجتمعاً ؟! وهل هي نعمة أم نقمة؟

ثمة فارق بين العالمية International وبين العولمة Globalization ، لذلك لابد من التفريق بين العالمية والعولمة . [1]
أولاً - المفهوم والمصطلح :
لقد استخدمت مفردات متعددة للتعبير عن ( العولمة ) . على أن الكلمة الأكثر شيوعاً واستخداماً في هذا المجال هي Globalization وقد أخذت من كلمة Globe ومعناها : الكرة الأرضية ، الأمر الذي جعل البعض يترجمها إلى (الكونية) . وهناك من استخدم كلمة Mondialization من اللفظة الفرنسية Monde وتقابل بالإنكليزية World Universe . وهناك من استعمل مصطلح ( الشوملة ) وهي من (الشمولية )Totalitarianism .
ومن الواضح والجدير بالإشارة معاً أن هذا المصطلح شاع في الوطن العربي وذاع وانتشر في الخطاب السياسي وفي وسائل الإعلام المختلفة ، شأن الكثير من المصطلحات الغربية ـ الأوروبية والأمريكية ـ الأكثر انتشاراً وتأثيراً على مجمل النشاط السياسي العالمي . مثلما شاع مصطلح ( الخصخصة) في السنوات الأخيرة أيضاً وترافق معه . وراح كل متحدث أو كاتب في شأن من الشؤون الاقتصادية يطلقه في معرض الإشارة إلى عملية تحويل مشاريع القطاع العام والمنشآت الاقتصادية التابعة لدولة ما من دول العالم الراهن ، إلى شركات خاصة يديرها أفراد من أبناء هذه الدولة نفسها أو من يشاركهم في إدارتها من خارجها .
ويعرّف الدكتور إسماعيل صبري عبد الله العولمة والتي يفضل أن يستخدم مكانها مصطلح الكوكبة على أنها: ( التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو انتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة ودون حاجة إلى إجراءات حكومية) . [2] ولا أعلم لماذا ابتعد الدكتور إسماعيل صبري عبد الله عن المفهوم الدقيق للعولمة ؟ والذي يعني هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي وانتشاره بعمق ، لا بل هيمنة النمط الأمريكي ، سيما وهو يقر بأن الرأسمالية كنمط إنتاج تتغير ملامحها وأساليبها في الاستغلال عبر الزمن. كما انه يربط بين نشأة العولمة وانتشار الشركات متعددة الجنسية .
على المستوى الاقتصادي ، تفترض العولمة أن العمليات والمبادلات الاقتصادية تجري على نطاق عالمي ، بعيداً عن سيطرة الدولة القومية . بل : إن الاقتصاد القومي أو الوطني يتحدد بهذه العمليات . وهذا الوضع مغاير تماماً ، لما كان عليه الحال في الإطار السابق ، حين كانت الاقتصادات القومية هي الفاعلة ، أما الاقتصاد العالمي فهو ثمرة تفاعلاتها. [3]
" العولمة وفقاً لهذا التحليل ، هي إذن وصول نمط الإنتاج الرأسمالي ، عند منتصف هذا القرن تقريباً إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول ، إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج ذاتها ، أي أن ظاهرة العولمة التي نشهدها هي بداية عولمة الإنتاج والرأسمال الإنتاجي وقوى الإنتاج الرأسمالية ، وبالتالي علاقات الإنتاج الرأسمالية أيضاً ، ونشرها في كل مكان مناسب وملائم خارج مجتمعات المركز الأصلي ودوله . العولمة بهذا المعنى هي رسملة العالم على مستوى العمق بعد أن كانت رسملته على مستوى سطح النمط ومظاهره، قد تمت . بعبارة أخرى ، أن ظاهرة العولمة التي نعيشها الآن هي طليعة نقل دائرة الإنتاج الرأسمالي ـ إلى هذا الحد أو ذاك ـ إلى الأطراف بعد حصرها هذه المدة كليا في مجتمعات المركز ودوله . في الواقع لان عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق بلغت حد الإشباع بوصولها إلى أقصى حدود التوسع الأفقي الممكنة وشمولها مجتمعات الكرة الأرضية كلها ـ باستثناء جيوب هنا وهناك ـ كان لابد لحركية نمط الإنتاج الرأسمالي وديناميكيته من أن تفتح أفقاً جديداً لنفسها وان تتجاوز حدوداً بدت ثابتة سابقاً، عن طريق نقلة نوعية جديدة بدورها تأخذ الآن الشكل المزدوج لعولمة دائرة الإنتاج ذاتها ونثرها في كل مكان مناسب تقريباً على سطح الكرة الأرضية ، من ناحية وإعادة صياغة مجتمعات الأطراف مجدداً ، في عمقها الإنتاجي هذه المرة ، وليس على سطحها التبادلي التجاري الظاهر فقط ، من ناحية ثانية ، أي إعادة صياغتها وتشكيلها على الصورة الملائمة لعمليات التراكم المستحدثة في المركز ذاته ". [4]
وإذا كان الفكر الليبرالي الجديد Neoliberal هو الناظم الجوهري " للعولمة " فإن الليبرالية الجديدة تتجه الآن ضد الدولة القومية نفسها ، كأداة ضبط وتنظيم ، أي أداة تدخل ولجم على الصعيد القومي وعلى الصعيد العالمي ، والفكرة المطروحة حالياً إن الرأسمالية تنشط الآن على المستوى الكوني ، مديرة حركة رأس المال ، والخدمات والسلع وبالطبع العمل . [5] وهكذا فإن الاقتصاد المعولم يقع خارج نطاق تحكم الدولة القومية ، مما يزيد في إمكانات الصراع والتنافس ، ويريد من دور الشركات متعددة الجنسية ويحولها إلى شركات فوق قومية Trans – Nation ورأسمال طليق بلا قاعدة وطنية محددة وبإدارة عالمية . ويبدو أن "العولمة " لم تفقد الدولة القومية الكثير من وظائفها كناظم وضابط اقتصادي فحسب، بل إن انتهاء الحرب الباردة ، من جانب ثان ، ساهم مع العولمة في تقليص وظائف الدولة العسكرية ـ الأمنية … إلى حد غير قليل . [6]
وقد أشار أحد الباحثين العرب المعروفين بالقول إنه إذا صدرت الدعوة إلى العولمة من بلد أو جماعة فإنها تعني إعمام نمط من الأنماط التي تخص ذلك البلد أو تلك الجماعة وجعله يشمل الجميع : العالم كله ، وإنه طالما صدرت هذه الدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية ، فإن الأمر يتعلق بالدعوة إلى تعميم النموذج الأمريكي ، وفرضه وفسح المجال له ليشمل العالم كله . مما يعني أن العولمة الثقافية التي راحت تصل إلى أي مكان ، كل مكان تقريباً ، على وجه كرتنا الأرضية ، عبر وسائل الإعلام التي تتحكم الولايات المتحدة بمعضمها (خمسة وستين بالمائة من مجموع المادة الإعلامية في العالم) ، ستقود بالنتيجة المتوخاة إلى قطع الصلة شيئاً فشيئاً بين الإنسان ومجتمعه ووطنه ، والقفز فوق الوطن عبر صيغة العولمة هذه، وهذا ما يجب أن يرفضه العرب ، ويجب أن يفعلوا . لقد رفضه المثقفون الأوروبيون قبلهم انطلاقاً من فكرة تقول بتعارض العولمة مع التعددية الحضارية ومع صلة الإنسان بوطنه وضرورة توحد المجتمع الأوروبي ضد العولمة بصيغتها الأمريكية . [7]
يقول الأمريكي توم فريدمان: " نحن أمام معارك سياسية وحضارية فظيعة ، العولمة هي الأمركة ، والولايات المتحدة قوة مجنونة ، نحن قوة ثورية خطيرة ، وأولئك الذين يخشوننا على حق . إن صندوق النقد الدولي قطة أليفه بالمقارنة مع العولمة . في الماضي كان الكبير يأكل الصغير ، أما الآن فالسريع يأكل البطيء ". [8]
ولكن العولمة بالمفهوم المعاصر ( الأمركة ) ليست مجرد سيطرة وهيمنة والتحكم بالسياسة والاقتصاد فحسب ، ولكنها أبعد من ذلك بكثير، فهي تمتد لتطال ثقافات الشعوب والهوية القومية والوطنية ، وترمي إلى تعميم أنموذج من السلوك وأنماط أو منظومات من القيم وطرائق العيش والتدبير، وهي بالتالي تحمل ثقافة ( غربية أمريكية ) تغزو بها ثقافات مجتمعات أخرى ، ولا يخلو ذلك من توجه استعماري جديد يتركز على احتلال العقل والتفكير وجعله يعمل وفق أهداف الغازي ومصالحه. وأكد ذلك الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حين قال بعد انتهاء حرب الخليج الثانية : " إن القرن القادم سيشهد انتشار القيم الأمريكية وأنماط العيش والسلوك الأمريكي " . [9]
ولا مكان للدول النامية عامة والعربية خاصة … في ( العولمة ) إلا في الاتجاه السالب، أي تأثيرها عليها وتأثرها بها. ومع ذلك فنحن بهذا المعنى معولمون منذ زمان بعيد اقتصادياً وثقافياً … وسياسياً في بعض الأحيان . [10]
ثانياً - ملامح العولمة في الاقتصاد العالمي: يمكننا تحديد أهم ملامح العولمة الاقتصادية من خلال المظاهر التالية:
ـ الاتجاه المتزايد نحو التكتل الاقتصادي للاستفادة من التطورات التقنية الهائلة .ـ تنامي دور الشركات متعدية الجنسية ( عبر القومية ) وتزايد أرباحها واتساع أسواقها وتعاظم نفوذها في التجارة الدولية وفي الاستثمار .
ـ تزايد دور المؤسسات المالية الدولية بشكل مباشر وبخاصة في تصميم برامج الإصلاح الاقتصادي وسياسات التثبيت والتكيف الهيكلي في الدول النامية (والتحول إلى اقتصاد السوق).
ـ تدويل بعض المشكلات الاقتصادية مثل الفقر ، التنمية المستدامة ، السكان والتنمية ، التنمية البشرية ، التلوث وحماية البيئة ، والتوجه العالمي لتنسيق عمليات معالجة هذه المشكلات والتعاون في حلها .
ـ تعاظم دور الثورة التقنية الثالثة وتأثيرها في الاقتصاد العالمي ( التغيرات السريعة في أسلوب الإنتاج ونوعية المنتج ) .
ـ بروز ظاهرة القرية العالمية ، وتقليص المسافات نتيجة لتطور وسائل النقل والمواصلات وزيادة الاحتكاك بين الشعوب .
ـ تطور وسائل الإعلام وتأثيرها على طبيعة البشر وتطلعاتهم وسلوكهم ،واثر ذلك على اختلاط الحضارات والثقافات .
ـ تعاظم دور المعلوماتية ، والإدارة ، والمراقبة من إدارة نظم المعلومات .
والعولمة الاقتصادية أخذت أبعادها في المرحلة الراهنة بانتصار القوى الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، وانهيار الاتحاد السوفيتي والأنظمة الاشتراكية في دول أوروبا الشرقية ، فاستعاد النظام الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي هيمنته وانتشاره بدينامية جديدة مؤسسة على اقتصاد السوق والموجة الثالثة ( ثورة المعلوماتية ) وإدماج القسم الأعظم من الاقتصاديات الوطنية بالسوق الرأسمالية العالمية ، بحيث أصبحت هذه الاقتصادات أسيرة لمفاهيم السوق والمنافسة الاحتكارية التي تتحكم فيها القمم الاقتصادية العملاقة ، متخطية الحدود والقيود ، مستندة إلى قوى السوق وبأشراف مؤسسات العولمة الاقتصادية الثلاث ، صندوق النقد الدولي ، البنك الدولي للإنشاء والتعمير ، المنظمة العالمية للتجارة خليفة اتفاقيات " الغات ".

أهم مؤشرات الأغنى والأفقر بين دول العالم حسب المجموعات لعام 1997
البيان
مجموعة الدول الأغنى
20 % من سكان العالم
مجموعة الدول الوسط
60 % من سكان العالم
مجموعة الدول الأفقر
20 % من سكان العالم
إجمالي الناتج المحلي العالمي
86 %
13 %
1 %
إجمالي صادرات العالم
82 %
17 %
1 %
الاستثمار المباشر في العالم
68 %
31 %
1 %






مقارنة لتوضيح كيف يزداد الفقر والغنى بين دول العالم
البيان
1960
1994
حصة الـ 20% الأكثر فقراً من اصل العائدات الإجمالية للعالم
2.3
1.1
الفارق بين الـ20%الأكثر ثراء في العالم والـ20%الأكثر فقراً
30 إلى 1
78 إلى 1
حصة الـ 20% الأعلى من الدخل العالمي
70%
85%
حصة الباقي
30%
15%

تمثل العولمة التي يشهدها الاقتصاد العالمي تحدياً خارجياً وخطيراً للبلدان العربية واقتصادياتها. فالوطن العربي مراقب ومهدد في نفس الوقت، يعيش مرحلة من التناحر والتآكل والتهميش فاقداً لأية استراتيجية اقتصادية سياسية دينامية للدفاع أو للهجوم. أن عمليات الضغط والإضعاف التي تستهدف وطننا العربي من اجل زعزعة استقراره وتعطيل مؤهلاته حتى لا يبقى أمامه سوى الاندماج السلبي في آليات العولمة وبالصيغة التي يعرفها الأقوياء تحت اسم التدويل الشامل للاقتصاد أو " العولمة الاقتصادية " [11]

أستاذ بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق