الاثنين، 4 مايو 2009

أولا : معنى العولمة :
العولمة مصطلح يعني باختصار : إكساب الشيء صفة العالمية
ويتضمن هذا المصطلح : تذويب الفوارق الدينية والثقافية والوطنية لتحقيق قوة واحدة تحكّم الأرض.
فهي تسعى لإلغاء جميع الفروق بين المجتمعات ، فلا يكون هناك انتماء لأي وطنٍ أو دين أو ثقافة، بل يتحد كله معاً ويتم تذويبه في بوتقة واحدة.. وطن بلا حدود،قرية واحدة،ثقافة ومعلومات واحدة،دين واحد!
وقد يبدو هذا المعنى فيه خير ونشر للسلام على كوكبنا الصغير ، ولكن عند التدقيق نجد أن جميع نظريات وتطبيقات العولمة تنبع من فلسفتها القائمة على تقسيم العالم إلى قسمين : عالم الدول المتخلفة ذات المعدلات العالية في الأمية والفقر والمرض.
وعالم القوى الكبرى ذو الشركات العملاقة ورؤوس الأموال الضخمة والمؤسسات العالمية.
ومن ثم فإن العولمة تعمل على تذويب العالم الضعيف الفقير لصالح العالم القوي الغني تذويباً لا مثيل له وغير مسبوق ، تذويباً شاملا لكل اختلافٍ أو تباينٍ بين الشعوب فتحارب الانتماءات الفطرية للوطن للدين للثقافة ، بل حتى الانتماءات الصغيرة كالانتماء للأسرة .
ومن هنا يتضح أن العولمة ليست نظاماً حياتياً أو اقتصادياً يسهل تحت مظلته عولمة الخبرات والتقنيات ونقل البضائع والخدمات والمعلومات ، وإن كانت هذه الأمور من الوسائل التي تشجعها وتنميها لإيصال سياق ( نظام ) فكري علمي مدروس ومخطط له يهدف للهيمنة والسيطرة من قبل المؤثرين المنتصرين على كوكب الأرض في العصر الحديث .
لذا يمكن القول أن العولمة بالمفهوم المعاصر تعني : ( الأمركة ) ، وهي كما هو مشاهد مكشوف ليست مجرد سيطرة وهيمنة وتحكم بالسياسة والاقتصاد فحسب ولكنها أبعد من ذلك بكثير فهي تمتد لتطال ثقافات الشعوب والهوية والقومية والوطنية وترمي إلى تعميم أنموذج من السلوك وأنماط أو منظومات من القيم وطرائق العيش والتدبير وهي بالتالي تحمل ثقافة ( غربية أمريكية ) تغزو بها ثقافات مجتمعات أخرى ولا يخلو ذلك من توجه استعماري جديد يتركز على احتلال العقل والتفكير وجعله يعمل وفق أهداف الغازي ومصالحه وأكد ذلك الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حين قال عن الاحتفال بالنصر في حرب الخليج الثانية إن القـــرن القادم ( القرن الواحد والعشرين سيشهد انتشار القيم الأمريكية وأنماط العيش والسلوك الأمريكي) .
لذا حذّر كثير من المثقفين من ثقافة العولمة وعدوها نوعا من الهيمنة الأمريكية في الناحية الثقافية تهدف في محصلتها النهائية إلى تمجيد الجنس وانفلات المرأة تحت ستار التحرر والإباحية وتغيير النظرة العامة تجاه الشواذ .
ويمكننا القول من منظورنا الإسلامي أن العولمة التي تنـزع المرء من انتماءاته وجماعاته التي يستمد منها قيمه وأخلاقه وأعرافه وتزج به منفرداً أعزلا في خضم متلاطم يسيطر عليه أصحاب التأثير العالمي في العصر الحديث بفكرهم وشهواتهم ، فتهدف إلى الوصول إلى كل أحد فرداً ليسهل اقتناصه وهو ذات ما حذّر منه نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله : ” إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ” إذ سيتحول الجيل إلى أفراد “قاصية” بعد نزع انتمائها لدينها ولوازم ذلك من الولاء والبراء ، وانتمائها لوطنها وحقوقه ، ولهويتها ومقتضاها ، وللأسرة ونظامها وقوانينها وعندها يسهل على الذئب اقتناصها وحيدة منفردة !
لذا يحتاج المسلم أن يكون على بصيرة ليهتدي بنور من ربه في هذا العصر الذي كثرت فيه شعارات تحمل ظواهر وبواطن وشاعت فيه مصطلحات حرص مروجوها على استعمال ألفاظ مجملة تحتمل حقاً وباطلا ، وتسارعت فيه المتغيرات ، واشتبهت فيه الأمور وقد حذّر منه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : ” بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل ” .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق