السبت، 16 مايو 2009

الحفاظ على الخصوصيات
لقد آن الأوان للتقارب والتكاتف مع الدول الأوربية وكذلك مع دول الشرق الأقصى وخاصة الصين واليابان وهناك ملحوظة مهمة جدا في هذا المجال, فبالرغم من أن الصينيين واليابانيين يجيدون اللغة الأمريكية (الإنجليزية) إجادة تامة, فإن إجادة لغة الأمريكيين لم تجعل الصينيين واليابانيين يعتنقون الثقافة الأمريكية. لقد تعلموا لغة الأمريكيين ليتعرفوا على العلوم والتكنولوجيا الأمريكية وبعد أن فهموا هذه العلوم جيدا طوروها وأضافوا إليها وقاموا باختراعاتهم واكتشافاتهم التي فاقت التكنولوجيا الأمريكية ولكن الأمر اللافت للنظر والذي يجب أن نقف أمامه طويلا للاسترشاد به هو أن الصينيين واليابانيين لم ينبهروا بالثقافة الأمريكية ولم يتخذوها نهجا لحياتهم ولم يتركوها تؤثر في حياتهم الاجتماعية ولا في عاداتهم وتقاليدهم بل جعلوا بينهم وبين الثقافة الأمريكية سدا منيعا ليحافظوا على خصوصياتهم الثقافية. فهل ننتهج نهجهم ونحذو حذوهم لنحافظ على هويتنا وخصوصياتنا العربية الإسلامية أم نترك ثقافة الماكدونالدز والهامبورجر والكوكاكولا والعنف والاغتصاب والشذوذ الجنسي المباح وسيادة الدولار تطغى وتهيمن على خصوصيات الثقافة الإسلامية المرتكزة على التآخي والإيثار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإيتاء ذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
وماذا فعلت الدول العربية والإسلامية للحفاظ على خصوصياتها الثقافية وأولها اللغة العربية, لغة القرآن الكريم, التي أصبحت يتيمة في ديارها وأصبح من يجيدها (عملة صعبة) نادرة الوجود لأنها (ممنوعة من الصرف) فلم يعد تدريس اللغة العربية وعلومها يحظى باهتمام العرب والمسلمين الذين تكالبوا على تعليم أولادهم اللغات الأجنبية وأهملوا تدريس اللغة العربية تماما في العقدين الماضيين. إننا نشاهد للأسف الشديد أولادنا يتخلون رويدا رويدا عن هويتهم الثقافية العربية والإسلامية عن جهل ودون إدراك أو دراية بخطورة ما يفعلون في تكالبهم على تعلم اللغة الإنجليزية وفي ارتداء الجينز والكاسكيت الأمريكاني وأكل الهامبورجرز وشرب الكوكاكولا والتهافت على محلات ماكدونالدز وعلى موسيقى الجاز. ويرجع ذلك إلى غياب التوعية الثقافية والتوجيه والإرشاد سواء في المدارس من قبل معلميهم أو في المنزل من قبل والديهم. إن الأهل والأساتذة يحثونهم على إجادة اللغة الإنجليزية ويقولون لهم إن المستقبل والعلم والتكنولوجيا في تعلم لغة الكمبيوتر والإنترنت وإن الذي لا يجيد اللغة الإنجليزية يعتبر جاهلا ولن يكون له أي مستقبل في مجال العلم والتكنولوجيا بل إن الأهل يبذلون قصارى جهدهم حتى يرسلوا أبناءهم إلى الدول الأوربية وعلى الأخص إلى الولايات المتحدة الأمريكية للاستزادة من العلم وللحصول على أعلى الشهادات العلمية في مختلف العلوم الحديثة ويضحون في سبيل تحقيق هذا الهدف بكل ما هو نفيس وغال. فلا عجب أن اهتم أولادنا باللغة الإنجليزية وبدراسة العلوم والتكنولوجيا ومن ثم إهمال اللغة العربية والعلوم الإسلامية وعدم الاكتراث بها مادام كل المطلوب منهم هو الحصول على الدرجة الأدنى التي تسمح لهم بالمرور من سنة دراسية إلى أخرى دون حتى النجاح في اللغة العربية (معظم الدول العربية تجيز نجاح الطالب الذي يحصل على 40% فقط من الدرجات في مادة اللغة العربية).
وقفة مع النفس
إذا أردنا الحفاظ على خصوصياتنا الثقافية فعلينا أن نقف وقفة مع النفس لنعيد حساباتنا ونؤكد هويتنا ولنبدأ من البداية, من أول مرحلة التعليم في مدارسنا والتأكيد على تدريس لغتنا العربية وتدريس تراثنا العربي الإسلامي الثري إلى جانب تدريس اللغات الأجنبية والعلوم الحديثة والتكنولوجيا. يجب أن يكون هناك توازن في تدريس اللغة العربية والتراث العربي والإسلامي وتدريس المواد العلمية واللغات الأجنبية وألا تطغى هذه الأخيرة على الأولى. كذلك يجب تنمية الوعي القومي والانتماء العربي الإسلامي في نفوس أولادنا وإقناعهم بأن هناك فرقا شاسعا بين تعلم لغات وعلوم وحضارة أمة من الأمم واعتناق هذه الحضارة والانتماء إليها. ولنأخذ مثال الدول الشرق آسيوية الصين واليابان والهند وكذلك دول أمريكا اللاتينية التي درست وأجادت اللغة الإنجليزية دون الانتماء والذوبان في الثقافة الأمريكية.
وهنا يبرز دور المثقفين من العلماء المسلمين للتأثير على الحكومات وعلى المسئولين عن التربية والتعليم في الدول العربية الإسلامية للتركيز على تدريس اللغة العربية ورفع شأنها وتدريس التراث العربي القديم والتعريف بالعلماء العرب القدماء الذين كان لهم فضل كبير على النهضة الأوربية في القرن الخامس عشر والذين استمدت العلوم الحديثة من اختراعاتهم واكتشافاتهم الكثير والكثير. كذلك يجب التأكيد على أهمية دور المؤسسات والهيئات العربية الإسلامية المنوط بها نشر الثقافة والعلوم العربية والإسلامية.
الكنز الباقي
إن التعددية الثقافية هي الكنز الباقي عبر الأجيال فهي نتاج انصهار الحضارات التي تعاقبت على هذا الكون منذ بدء الخليقة ومهما توحدت العلوم والمقاييس فلا يمكن أن تتوحد الثقافات واللغات في ثقافة واحدة موحدة أو في لغة واحدة يتحدث بها جميع سكان الكون. لقد جعل الله لغة لكل نوع من مخلوقاته حتى الطيور لها لغة خاصة بها كما أخبرنا الله في كتابه الكريم (منطق الطير) أي لغة الطيور, ولا يمكن لأي قوة في العالم أن تنجح في القضاء على الخصوصيات الثقافية Opecificites Culturelles لكل شعب من الشعوب.
إن الطريق شاق وطويل أمام المسلمين لإقناع العالم وخاصة الغرب بأهمية الخصوصيات الثقافية الإسلامية التي لا تتعارض البتة مع المواثيق والقوانين الدولية ولكنها يمكن أن تكملها وتثريها بما فيها من مفاهيم وروحانيات إنما الغرب في مسيس الحاجة إليها وعلينا أن نحدد معالم تلك الخصوصيات الثقافية الإسلامية والتي تعتبر القاسم المشترك لشعوب الأمة الإسلامية التي أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون (خير أمة أخرجت للناس). على الأمة الإسلامية أن تحافظ على خصوصياتها العربية الإسلامية أمام الهجمات الشرسة التي تريد الهيمنة على عقول الناس جميعا وتفرض عليهم أسلوب تفكير واحد وكأنهم (روبوت) أي إنسان آلي وكأنما يريدون أن يضعوا هذا الإنسان في قالب واحد أي يستنسخونه ويلغون انفراديته Individualite ليصبح كل الناس على شاكلتهم, وهذا ما يرفضه الإسلام ويجب أن يتكاتف المسلمون للوقوف ضد هذا الاتجاه المدمر لأن الأسس والمبادئ والقيم التي أقرها الإسلام منذ 14 قرنا من الزمان والمرتكزة على المساواة والعدل والسلم والتعاون والالتزام بالمواثيق والعهود والمجادلة مع أهل الكتاب وعدم الغلو في الدين أو التعصب وعدم المفاضلة بين الناس أو التفريق بينهم بسبب الجنس أو اللون أو العرقية أو اللغة أو الدين, كل هذه الأسس تحفظ للإنسان المسلم هويته الإسلامية وخصوصياته الثقافية التي يجب عليه المحافظة عليها بل نشرها وتعريفها للآخرين وخاصة للغربيين وصانعي القرارات السياسية والاقتصادية وعلى مستوى العالم.
ولن يتحقق ذلك إلا إذا سارع المسلمون باللحاق بالركب للاضطلاع بدور فعال في المحافل الدولية. إن المجتمع الدولي في حاجة إلى المسلمين وإلى معرفة خصوصياتهم الثقافية لإثراء التراث العالمي للإنسانية وللتفاعل مع الثقافات والحضارات الأخرى في إطار الحوار بين الحضارات على أن يكون هذا الحوار هادفا ومستمرا ومتميزا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق