الثلاثاء، 12 مايو 2009


تطرح وسائل الإعلام ومراكز البحوث الغربية بعض المصطلحات من وقت لآخر فتنشر شرقا وغربا وترددها وسائل الإعلام الأخرى حتى لو لم تكن مفهومة المعنى وواضحة المعالم ، ومن احدث ما أنتجه الغرب في السنوات القليلة الماضية مصطلح النظام العالمي الجديد new world order ثم اتبعه مصطلح Globulization الذي اختلف العرب في ترجمته بقدر ما اختلفوا في فهمه ، حيث اقترح مقابلا له بالعربية العولمة والكوكبة والكونية والشوملة او الشمولية . وقد فرض الاستعمال كلمة العولمة دون بقية المترادفات الأخرى لعلاقتها الظاهرة بكلمة العالم الواردة في النظام العالمي الجديد.ويجد الباحث عن العولمة حسب راى عبد العزيز الصقيري* كثيرا من التهويل في الكتابة عنها فيتم تصويرها على أنها قدر نافذ ، وانه لا يستطيع أحد أن يقف في وجهها ، وان علينا اللحاق بقطارها وإلا خرجنا عن نطاق التاريخ ، لذلك من أول واجبات الباحث وعي تلك التهويلات وفرزها و أبعادها عن جوهر الموضوع ومن نافلة القول التأكيد بان العولمة ككل ظاهرة اجتماعية حياتية لابد أن تكون متصلة بما قبلها وجسرا لما بعدها ولا يمكن أن تكون منقطعة الجذور عما قبلها وعما بعدها ، وفي الغالب فيها امور نافعة واخرى ضارة ، هذا ما يمكن أن يضعه الباحث في اعتباره عند البحث عن أي ظاهرة اجتماعية حياتية كونية وهذا ما سنجد تأكيده عند تفصيلنا الحديث عن ظاهرة العولمة وفي حديثنا عن العولمة السياسية كأحد1)ارتباطها بالنظام العالمي الجديد وعناصرها الرئيسية ..فما هي العولمة ..؟تعريف العولمة:العولمة في اللغة : مأخوذة من التعولم والعالمية والعالم وتعني تقييم الشيء وتوسيع دائرته ودائرة تأثيره .وفي الاصطلاح : اصطباغ عالم الأرض بصبغة واحدة شاملة بجميع أقوامها وكل من يعيش فيها وتوحيد أنشطتها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية من غير اعتبار لاختلاف الأديان والثقافات والجنسيات والأعراق .واختلفت الآراء حول مفهوم العولمة كما اختلفت حول مفهوم النظام العالمي الجديد ليس في العالم العربي فحسب بل حتى في المجتمعات الغربية الذي أنتجته(ومعظم التعاريف التي قدمت للعولمة يغلب عليها الطابع الاقتصادي وذلك لان مفهوم العولمة من نتاج الرأسمالية وآثارها أوضح ما تكون في مجال الاقتصاد ، هذا بالإضافة إلى أهمية الاقتصاد وخطورة الدور المناط به و لانه الهم الأكبر للحضارة الغربية الصانعة لمصطلح العولمة ومن هذا المنطلق يمكن تعريف العولمة ( بأنها حركة تستهدف تحطيم الحدود الجغرافية والجمركية وتسهل نقل الرأسمالية عبر العالم كله كسوق كونية ) (2)ويعرفها صندوق النقد الدولي أحد المؤسسات الدولية التي تتبنى العولمة بأنها (التعاون الاقتصادي المتنامي لمجموع دول العالم والذي يحتمة ازدياد حجم التعامل بالسلع والخدمات وتنوعها عبر الحدود إضافة إلى تدفق رؤوس الأموال الدولية والانتشار المتسارع للتقنية في أرجاء العالم كله ) (3)وفي محاولة لتحديد مكونات تعريف العولمة يقول الأستاذ السيد ياسين أن تعريف العولمة لابد وان يشتمل على ثلاث عمليات تتعلق بانتشار المعلومات وتذويب الحدود وزيادة معادلة التشابه بين الجماعات والمؤسسات والمجتمعات وبهذا يصبح جوهر عملية العولمة (سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع بين الدول على نطاق كوني ) (4)ويلاحظ أن هذا لتعريف أعطى العولمة صفة الشمول ولم يقصرها على الجانب السياسي فيقول ( هي حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة المركز وتحت سيطرتها ) (5)أما الدكتور محمد عابد الجابري يؤكد بان العولمة ( ليست مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي ، بل أيضا وبالدرجة الأولى أيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم ) (6)أما الدكتور عبد الله التركي يعرف العولمة على أنها (حركة تهدف إلى تعميم تطبيق أمر ما على العالم كله ) (7)ويعرفها الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي بقولة ( العولمة في حقيقتها وأهدافها وطرائقها اليوم انما هي الاستعمار بلون جديد ، وباسم جديد وهي بعبارة صريحة امركة العالم ) (8)أما الدكتور صبري إسماعيل فيرى ( أن العولمة ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع والسلوك يكون الانتماء فيها للعالم كله عبر الحدود السياسية الدولية وتحدث فيها تحولات على مختلف الأصعدة تؤثر على حياة الانسان في كوكب الأرض أينما كان ) (9)ومن خلال التعريفات التي تعرضنا لها يتضح ان العولمة واقع يثمر بتزايد الارتباط والاعتماد المتبادل بين المجتمعات البشرية في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية والإعلامية وغيرها من المجالات ،ساهمت في ترسيخها كتوجه عالمي ثورة التكنولوجيا في مجال المعلومات والتواصل التي منحت البشرية فرصا وفوائد كبيرة لمنها في نفس الوقت تتضمن أخطار لا يستهان بها وان تعاريف العولمة لتكاد تنتهي (وهي مختلفة باختلاف اهتمام الباحث ونظرته الى الحضارة الغربية ومجريات الأمور في الواقع )(10)تفسير مفهوم العولمة:يستخدم مفهوم العولمة لوصف كل العمليات التي تكتسب العلاقات الاجتماعية نوعا من عدم الفصل (سقوط الحدود ) وتلاشي المسافة حيث تجري الحياة في العالم كمكان واحد ـ قرية واحدة صغيرة ـ ومن ثم فالعلاقات الاجتماعية التي لا تحصى عددا أصبحت اكثر اتصالا واكثر تنظيما على أساس تزايد سرعة ومعدل تفاعل البشر وتأثرهم ببعضهم البعض ويرتكز مفهوم العولمة على التقدم الهائل في المعلوماتية بالإضافة الى الروابط المتزايدة على كافة الأصعدة على الساحة الدولية المعاصرة وبناء على ذلك فالمفهوم يحتوي على مساحة من التناقض بين وجهة النظر الليبرالية الداعية للاحتفال بالاعتماد المتبادل بين الدول مقابل وجهة النظر الراديكالية التي ترى في ذلك المزيد من السيطرة العالمية للرأسمالية والنظام المرتكز على حرية السوق ، وتاريخيا فان( مفهوم العولمة لايتجزا التطور العام للنظام الرأسمالي حيث تعد العولمة حلقة من حلقات تطوره التي بدأت بظهور الدولة القومية في القرن الثامن عشر وهيمنة القوى الأوربية على أنحاء كثيرة من العالم مع المد الاستعماري ) (11)ومن هذا المنطلق يصنف الباحثين مفهوم العولمة إلى أربعة أصناف :ـ1ـ اعتبار العولمة مرحلة تاريخية : وبهذه النظرة العولمة مرحلة محدده من التاريخ اكثر منها ظاهرة اجتماعية او إطار نظريا ويحدد أصحاب هذا الرأي بداية هذه المرحلة بسياسة ما عرف بالوفاق التي سادت في الستينات الميلادية بين أمريكيا وروسيا وبالتالي فالعولمة هي المرحلة التي تلت الحرب الباردة وحلت محلها .2ـ اعتبار العولمة مجموعة ظواهر اقتصادية : وهذا المفهوم يركز على وظيفة الدولة باعتبارها سلسلة من الظواهر الاقتصادية التي تتضمن تحرير الاسواق وخصخصة الأصول وانسحاب الدولة عن بعض وظائفها ونشر التكنولوجيا وتوزيع الإنتاج المصنع عبر القارات من خلال الاستثمار الأجنبي والتكامل بين الأسواق الرأسمالية .3ـ اعتبار العولمة هيمنة للقيم الأمريكية : فاعتبر سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار الكتلة الشيوعية انتصارا حاسما للراسمالية ودليلا على تفوق التكنولوجيا الأمريكية والمؤسسات المنبثقة منها فالعولمة تعبر عن انتصار ظواهر التحديث في الفكر السياسي الامريكي ونوع من الهيمنة الامريكية وتسميتها احيانا بالامركة .4ـ اعتبار العولمة ثورة تكنولوجية واجتماعية : وهذا المفهوم يرى ان العولمة شكل جديد من أشكال النشاط الذي انتقل من الرأسمالية الصناعية إلى ما بعدها من علاقات ويتجاوز ذلك العملية الكبرى المتعلقه بإحياء المجتمع المدني في كثير من الدول وفي قيامة بأدوار مهمة في التنمية .نظرة تاريخية للعولمة :يتساءل الدكتور مانع الجهني في بحثه المقدم للاجتماع الثاني للجنة الخبراء في منظمة المؤتمر الاسلامي (المنعقد في مالي للفترة 14ـ15 شعبان 1419هـ)هل العولمة ظاهرة جديدة ام قديمة ..؟ويؤكد ان العولمة ككلمة مصطلح جديد اما بمفهومها قديم جدا على الأقل في مفهومها المتعلق بالسيطرة وبسط النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي والحضاري ويقول (لقد سجل التاريخ مساعي الإمبراطورية الرومانية للسيطرة على العالم كما سجل ما قامت به الإمبراطورية البريطانية عند كانت لاتغيب عن أملاكها الشمس وكانت كل واحده من تلك الإمبراطوريتين تحاول أن تنشر ما سمته السلام الروماني والسلام البريطاني من خلال كافة الوسائل حتى التي تتعارض مع السلام نفسه ) (12)ويؤكد ان الرغبة نفسها وجدت لدى روسيا والولايات المتحدة حيث أخذت كل منهما تسعى جاهدة للسيطرة على العالم وفرض أنماط حياتها على الشعوب وقد وجد فعلا من الفلاسفة والمفكرين في العصر الحديث من وضع أسسا تشجيعية للتوسع الأمريكي بل إن عددا من رؤساء الولايات المتحدة كانوا يحلمون بتوسيع نطاق الحضارة الأمريكية لغرض هيمنتها وبالتالي فان فرض الهيمنة عن طريق العولمة هي منسجمة تماما مع تطلعات الحضارة الغربية بصفة عامه ومع تطلعات و آمال أمريكا بصفة خاصة كما ارجع بعض المؤرخين (العولمة الى النصف الثاني من القرن التاسع عشر بينما أرجعها جلال أمين إلى ما قبل خمسة قرون خلت مع بداية الدولة القومية )(13)والعولمة التي نعيشها اليوم (أصبحت هي النظام الدولي المسيطر في نهاية القرن العشرين وحلت محل نظام الحرب الباردة وهي الآن تشكل السياسات الداخلية والعلاقات الدولية للجميع هذا ما ذهب إليه ـ فريدمان ـ طبعا وفق النموذج الأمريكي والأهداف الأمريكية )(14)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق