الاثنين، 4 مايو 2009


بسم الله الرحمن الرحيمالجزء الأول : العـولمـة وآثارها الاقتصادية المدمرة على البلاد الإسلامية والعالمعندما نرى العالم يشهد ارتفاعاً عالمياً للأسعار فاق كل التوقعات، فأضر بكل فقراء العالم، بل وزاد من نسبتهم في المجتمعات حتى بات الوقوف في طوابير الخبز شيئاً عادياً في مصر. وعندما يصبح الانتحار وقتل الأبناء خياراً للفقراء في باكستان، وعندما نسمع شكوى وبكاء الرجال على شاشات التلفاز من شدة الفقر وقلة ذات اليد... ويحق لنا أن نتساءل: ما السبب في ذلك؟ وما الذي أدى إلى تطور الأوضاع الجنوني؟ ولماذا أصبحت المشكلة عالمية؟ فما دخل مصر بأزمة حصلت في أميركا؟ وما دخل الشرق الأوسط بغلاء الأسعار في أوروبا؟ ومن الذي حول أزمة الرهن العقاري الأميركية إلى مشكلة عالمية؟كل هذا يقودنا إلى بحث سياسة العولمة التي كثر الحديث عنها في العالم في الآونة الأخيرة بشكل واسع.معنى العولمةالعولمة لغة مشتقة من العالم وذلك على تفصيل مذكور في كتب اللغة.ولكن الذي يعنينا هنا المعنى الاصطلاحي للعولمة، فالعولمة التي هي الترجمة العربية للكلمة الإنجليزية Globalization كثرت التعريفات لها.فقال بعضهم: «العولمة هي الحركة الاجتماعية التي تتضمن انكماش البعدين: الزماني والمكاني، ما يجعل العالم يبدو صغيراً إلى حد يُحتّم على البشر التقارب بعضهم من بعض».وقال آخرون: «العولمة هي التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسية والثقافة والسلوك، دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة، أو انتماء إلى وطن محدد، أو لدولة معينة، ودون حاجة إلى إجراءات حكومية».في حين يعرف الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي العولمة بأنها «نظام يُمكّن الأقوياء من فرض الدكتاتوريات اللاإنسانية التي تسمح بافتراس المستضعفين بذريعة التبادل الحر وحرية السوق».والحقيقة أن مفهوم (العولمة) ليس مجرد شعار اقتصادي رأسمالي فحسب، بل هي فكرة رأسمالية سواء على الصعيد السياسي أم الاقتصادي أم الاجتماعي أم الثقافي أم الإعلامي، ولكن الوجه الاقتصادي أبرزها، وهو السبب وراء نشوء فكرتها، فالوجه الاقتصادي هو الأبرز والأهم؛ ولذلك سأقصر الحديث في هذا الموضوع على الجانب الاقتصادي.فالعولمة إفراز من إفرازات النظام الرأسمالي، وقد جاءت كنتيجة لما خلفه تطبيق هذا النظام من آثار سيئة، أهمها: سوء التوزيع الذي جرّ إلى تركز رأس المال بيد حفنة من الرأسماليين لا تتجاوز نسبتهم 2% في المجتمعات، وما تبع ذلك من تناقص الأرباح في الأسواق الداخلية مع تصاعد وتيرة المنافسة المحلية. وكذلك الأزمات الاقتصادية التي تتكرر بشكل مستمر نتيجة تطبيق النظام الرأسمالي، كل ذلك دفع القائمين على هذا النظام إلى تشكيل لجان من علماء الاقتصاد ورجال الأعمال والسياسة للقيام بالبحوث والتوصيات اللازمة لتجنب هذه الأزمات الاقتصادية ولتحصيل الأرباح بشكل مستمر، فكانت بحوثهم وتوصياتهم أول رؤيا للعولمة وباكورتها.ولكن خلال الحرب الباردة كان الاتحاد السوفيتي هو العائق أمام العولمة الشاملة، وبعد انهياره ومع توفر أدوات ووسائل اتصال أفضل أصبحت أدوات السيطرة المالية والسياسية اللازمة للسيطرة على العالم جاهزة للعمل، خاصة بعد أن نجحت أميركا في إنشاء منظمة التجارة العالمية إضافة إلى صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة، ما يعني أننا نستطيع القول أن عقد التسعينات من القرن الماضي هو الذي شكل البدايات الفعلية للعولمة.متطلبات العولمة وأدواتهالتحقيق العولمة وتطبيقها كان لابد من متطلبات سابقة وأدوات، أما المتطلبات فكانت1-الترويج لثقافة العولمة لدى الشعوب والدول، وذلك بالدعوة إلى الديمقراطية بدلاً من الدكتاتورية، ودولة المؤسسات بدلاً من دولة الرئيس، والتعددية الحزبية بدلاً من دولة الحزب الواحد، كل ذلك من أجل الوصول إلى خلخلة المجتمعات، وتغيير بنية الدول على نحو يسمح للشركات الأجنبية عابرة القارات ومتعددة الجنسيات بالنفاذ إلى الأسواق المحلية للدول النامية.2- تدمير بنية الدول الاقتصادية لإفقاد الدولة سيطرتها على مواردها الوطنية، عن طريق استغلال حاجاتها الاستهلاكية وقتل المبادرات المحلية، وتوجيه ثرواتها وهيكلة اقتصادها بتدخل مباشر من المؤسسات المالية والتجارية الخاضعة لها؛ فتصبح بلدان العالم سوقاً لأميركا والدول الكبرى، وخاصة بلدان العالم النامي ومنها بلدان العالم الإسلامي .3- إزالة القيود وتحرير الطريق أمام حركة رأس المال الغربي بحيث يُسمح لرأس المال بالتنقل بحرية بين البلدان وبالتالي المتاجرة به في الأسواق المالية المحلية والعالمية والمضاربة به على نحو يحقق الأرباح الباهظة بتجارة وهمية غير حقيقية.أما عن أدوات العولمة فهي كثيرة ولولاها لبقيت فكرة خيالية تحلم بها أميركا والدول الكبرى.وأبرز هذه الأدوات :1- منظمة الأمم المتحدة، والتي تأسست رسمياً عام 1945م، والتي تتدخل بدورها في كل الدول النامية وتحت ذرائع عدة تمكن الدول الكبرى من السيطرة عليها، فاحتلال العراق مثلاً يتم تحت غطاء الأمم المتحدة والذي تحولت بسببه العراق إلى محمية اقتصادية لأميركا. 2- صندوق النقد الدولي، الذي يعمل على إغراق الدول المستهدفة بالديون لتصبح عاجزة أو شبه عاجزة عن ملاحقة خدمة الديون وفوائدها المتراكمة، فتكون بالتالي وسيلة لبسط النفوذ على البلاد، وتصبح الدولة الممولة أو المقرضة هي المتحكمة بالدولة المدينة، فتفتح لها سوقها وتقدم لها كل التسهيلات فتمتص خيراتها وتستنـزفها.3- البنك الدولي، فقد أخذ البنك الدولي بتوجيه من الولايات المتحدة بإجبار دول العالم الإسلامي على إعادة هيكلة اقتصاداتها على ضوء مفاهيم العولمة، فاتجهت لخارج دولها لجذب رأس المال الأجنبي، وتبني مفهوم القطاع الخاص وما يتطلبه ذلك من تحجيم واضح في الملكية العامة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق