الأحد، 3 مايو 2009

.

3 - العولمة والثقافة : تكامل أم تصادم

إن شمولية الثقافة وكونيتها فكرة شائعة ، ذلك أن تصورنا للآخر المختلف يجد لدينا صعوبات جمة نتج عنها مع مرور الزمن وهم رفض الآخر المختلف الذي يبرز خاصة عند التقاء ثقافتين مختلفتين . عندها عادة ما يحدث ما يمكن أن نطلق عليه " الصدمة الثقافية " لكن رغم العولمة ، فإن الخصوصيات الثقافية لن تمحى ، بل بالعكس ، فإن الأفراد سيلجأون أمام هذه الصدمة إلى الإحتماء بخصوصياتهم التي تشكل هويتهم ، ذلك أن ردة الفعل الطبيعية للإنسان الذي يحس بخطر خارجي داهم هي العود للإحتماء بالجذور(.[6] )

ولبحث العلاقة المعقدة بين الثقافة والعولمة يمكن طرح ثلاث مجموعات من الأسئلة :
1- هل تغني العولمة الثقافات أم تنمطها وتهمشها؟
2- هل تحتفظ الدول بحرية اتخاذ الإجراءات الكفيلة ( قانونية ومالية و….) لحماية ثقافتها وتطويرها أم ستترك ذلك لقوى السوق؟
3- كيف يمكن تشجيع التبادل الثقافي المتوازن وتعديله وبالتالي تجنب السيطرة الثقافية ومخاطر الإنغلاق؟

لكن للتمكن من مناقشة الأفكار أعلاه ، كيف تبدو المواجهة ؟

تمكن المواجهة بين ثقافتين الأطراف المتصارعة من تبين أن قيمهم ومعاييرهم ليست بالنهاية إلا نتاجا اجتماعيا ينقل من جيل إلى جيل حسب اتجاه محدد خاص بكل ثقافة. لكن ما الذي ينتقل فعليا؟

إن ما يقع تناقله بالفعل ليس الأنماط والنماذج بقدر ما يقع تناقل السياقات الثقافية الخاصة بكل بلد ، ذلك أن النمط أو النموذج لا وجود له خارج دائرته المغلقة لأنه يمنع أي انتقال وحركة للتنوع بصفته تلك. كما أن السياقات المشار إليها ذات معاني أشمل وأكثر تنوعا.ومن خلالها يمكن تحديد القاعدة الأنتروبولوجية الرئيسية القائلة بأن " الشكل لا يقل أهمية عن المضمون" .

إن الإفتراض السابق بني على مبدأ تساوي الثقافات فيما بينها ، ذلك أنه من الخطأ الإعتقاد بوجود ثقافة أحسن من غيرها أو أعلى مرتبة منها ، لكن الملاحظ اليوم أن ما يمكن أن نطلق عليه " الثقافات القوية " ( الأمريكية والأوروبية ) وهي ثقافة الغالب تعتقد أنها كذلك وأنه بالتالي يجوز لها أن تفرض نفسها بالقوة لأنها الأفضل.

وكما سبقت الإشارة يلجأ الفرد الذي يستشعر الخطر إلى الإحتماء في مكان آمن ، والثقافة تشكل المخبأ الأمثل لأنها الحلقة الأكثر خصوصية والأكثر تعبيرا عن الفرد. هذا المخبأ هو الذي يحفظ اليوم نوعا من التنوع في هذا العالم الذي يركع للعولمة .

فالمجمعات لا تتخلى بسهولة عن خصوصياتها لذلك نجدها أمام غزو الثقافة الوافدة تحت غطاء العولمة ترجع إلى تلك الخصوصيات التي تبرز خاصة في الرجوع إلى بعض العادات والسلوك وفي استرجاع جملة من الفنون والقيم وفي استنهاض الإرادة في التصدي للإختراق .إلا أن هذا الموقف أصبح اليوم لا يمثل إلا الأقلية في صلب نظام بدأ يفقد أغلب العناصر المقومة لهويته.

لكن على الرغم من ذلك ، فإن الخصوصية الثقافية لا يمكن أن تختفي نهائيا لأنها ، وإن جمدت مؤقتا في اللاشعور الجمعي ، فإنها ستبرز من جديد في الوقت المناسب أو أنها ستنتقل جغرافيا وتتحول إلى مكان آخر.فالنسيان والسكوت الذي قد يقابل الخنق الذي تفرضه الثقافة الأجنبية والعولمة سرعان ما يصل إلى طريق مسدود لأنه لا يمكن قبر القيم الثقافية بصفة نهائية ، ذلك أنها تسافر عند ظهورها مع من يحملها ( وفي الهجرة أحسن مثال لذلك )

وفي الواقع ، فإن تحليل ظاهرة تعايش القيم المتناقضة أو المتقابلة لا يجب أن يقتصر على اعتبارها تمثل تقابلا بين الحداثة والتقليد ، بين المركزي و الديمقراطي ، بين الجماعي والفردي ، فتلك وجهة نظر قاصرة ومتحيزة ، وإنما وجبت المعالجة من خلال رؤية شمولية تبرزها بصفتها لقاء بين عدد من الفاعلين في المستوى الثقافي.

وفي هذا الإطار يمكن أن تبرز "المثاقفة " كصيغة مقبولة للتفاعل بين الثقافات لا تقتصر على نقل عنصر ما من ثقافة إلى أخرى وإنما ينتج عنها نقل لعناصر مختلفة تتبادلها الثقافات المتفاعلة فيما بينها ، في ظل العولمة التي تطرح ثقافة بعينها بديلا لكل الثقافات.

غير أن تجربة الإتحاد الأوروبي في مجال المواجهة عندما طرح فكرة " الإستثناء الثقافي " الذي فرض نفسه كحد فاصل بين مفهومين للثقافة الأول أوروبي والثاني أمريكي يبين حجم الخطر الداهم الذي دفع مجموعة من الدول رغم قوتها واحتلالها مكانة بارزة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا تتخذ الإحتياطات اللازمة لحماية خصوصياتها عندما تبين لها أن الثقافة القادمة مع العولمة يمكن أن تمحي خصوصية ثقافتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق