الأحد، 3 مايو 2009

العولمهالتاريخ: 22-11-1428 هـالموضوع: بقلم : قيصر باقر 1-12-2007 أردت من خلال هذه الدراسة المستفيضة التي تتناول واقع مفهومية مصطلح العولمة أن يعي أبناء شعبنا المنكوب في العراق معناها من خلال المتابعة الشاملة لموضوع العولمة هذه والتي تصعب على الكثيرين فهمها أو شرح مقاصدها وبُعده عن الوقوف على غرضها ومعناها وتأثيراتها السياسية والأجتماعية والأقتصادية على المجتمعات وحتى المؤيدين للعولمة في كيفية صياغة حياة البشر في مختلف الأمم ، وفق القيم والمسالك والأنماط الغربية وإسهاما مني في تجلية هذا الأمر ، فقد بحثت هذا الموضوع ، من ناحية معنى العولمة بعامة والعولمة الأقتصادية بخاصة ، وأهدافها ، وأدواتها ، وأسباب بروزها ، وآثارها الاقتصادية في دولنا ، ومنظماتها التي تخطط لها وتطبقها على شكل سياسات في الدول النامية وهي : البنك الدولي للتعمير والتنمية ، وصندوق النقد الدولي ، ومنظمة التجارة العالمية
إن العولمة تحتوي على تصورات أجتهادية كلية لقضايا مصيرية تمس كينونة الإنسان في الماضي والحاضر والمستقبل وهي من أكثر المصطلحات المعاصرة إنتشارا وغموضا في الوقت نفسه ولذلك يتساءل كثير من الناس عن معنى هذا المصطلح ، هل هو جعل الأنظمة السياسية الموجودة في العالم على نمط سياسي واحد؟أم فتح الأسواق وإلغاء القيود والحواجز الأقتصادية بين الدول ؟أم تصدير ثقافة معينة ينبغي لها أن تسيطر وتفوق غيرها من الثقافات ؟أم أن العولمة هي كل ما تقدم ، بل وربما أكثر ؟ثم يأتي السؤال الأهم وهو : ما حكم العولمة في الدول الأسلامية ؟وما موقف دول الغرب والشرق الأوسط والنامية منها ؟للإجابة عن هذه الأسئلة ، عُقدت كثير من المؤتمرات والندوات والمحاضرات، بغية تجلية هذا الأمر وبيان الموقف منهإلا أن ما قدم فيها ـ وبخاصة العولمة الأقتصادية ـ كان يعاني أمرين : إما طرح الموضوع والتعمق فيه من الناحية الأقتصادية دون بيان الحكم الشرعي، أو طرح إسلامي عام لا يضع النقاط على الحروف ؛ فلا يبين الحكم الشرعي بعد دراسة الظاهرة دراسة وافية ، ولا يطرح حلولا تفصيلية وسياسات شرعية يمكن تطبيقها في الواقع.فمعظم الكتابات الدينية التي صدرت أتسمت بالعمومية وعدم التعمق ، حيث أشتملت على أحكام متعجلة وتوصيات أقرب إلى التمنيات منها إلى الحلول والسياسات ، باستثناء بعض الرسائل العلمية القليلة جدا التي تناولت أجزاء يسيرة من هذا الموضوع الضخم ولا شك أن تشعب الموضوع وتعقيده قد حال دون الوصول إلى المقصود .والعولمة " Globalization " لفظة إنجليزية حديثة المنشأ ، لا يجدي البحث عنها في المعاجم العربية ، بل لا بد من الرجوع إلى المعاجم والقواميس الأجنبية لمعرفة المقصود بها :وبالرجوع إلى بعض تلك المعاجم وجدت أن أصل اللفظة هو " Globe " ويعني : كرة، أو الكرة الأرضية ترمز إلى سلطة الملك وعدالته. والصفة منها وتعني : كروي ، أو عالمي ، أو شامل ، أما الاسم Globalization " " فيعني ما يلي :هي إكساب الشيء طابع العالمية ، وبخاصة جعل نطاق الشيء أو تطبيقه عالميا. وقد ترجمت اللفظة الإنجليزية " Globalization " إلى ثلاثة ألفاظ عربية هي: " العولمة " و"الكوكبة "و" الكونية .وأنتشرت اللفظة الأولى على لسان كثير من الكتاب والمفكرين، وإن كان بعضهم يعترف بأن لفظة " الكوكبة " أدق من لفظة " العولمة " ؛ لأن لفظة العولمة إشتقاق من "عالم " الذي يقابل " World " وليس من " الكوكب " الذي يقابل " Globe " .وقد أختلفت التعريفات الأصطلاحية للعولمة ، بأختلاف توجهات وأفكار من يعرَّفونها ، قبولا أو رفضا .فبينما يعرفها الغربيون بتعريفات تبدو محايدة وبراقة ، يعرفها بقية المفكرين في الدول النامية وبخاصة المسلمين منهم، بتعريفات تصورها على أنها خطر داهم يجب التنبه له ومواجهته .كما أن تعريفاتهم للعولمة قد اختلفت أيضا من شخص لآخر، بسبب تعقيدها وتشعبها وتعدد جوانبها، بل رأى بعضهم ، عدم جدوى البحث عن تعريف جامع مانع ، واكتفى بتحديد المعنى ومعرفة أبعاده ومضامينه.فمن الفريق الأول ـ وهو المؤيد للعولمة ـ عرفها صندوق النقد الدولي بأنها " تزايد الأعتماد الاقتصادي المتبادل بين بلدان العالم ، بوسائل منها: زيادة حجم وتنوع معاملات السلع والخدمات عبر الحدود والمتدفقات الرأسمالية الدولية ، وكذلك من خلال سرعة ومدى انتشار التكنولوجيا ".ويؤخذ على هذا التعريف ، أنه يحصر العولمة في المجال الاقتصادي ويهمل المجالين : السياسي ، والثقافي .كما أنه يصور العولمة وكأنها ظاهرة تلقائية تحدث عفويا بين الدول ، وليست خلفها جهات توجهها وتسيرها .واذا كان هذا هو المعنى المعلن للعولمة ، أما المعنى الخفي فشيء غير ذلك .ومن الفريق الآخر ـ وهو المعارض للعولمة ـ فقد عرفها الاقتصاديون بأنها " اندماج أسواق العالم في حقول التجارة، والاستثمارات المباشرة ، وانتقال الأموال ، والقوى العاملة، والثقافات ، والتقانة ، ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق، وتاليا خضوع العالم لقوى السوق العالمية ، مما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية، وإلى الانحسار الكبير في سيادة الدولة، وأن العنصر الأساسي في هذه الظاهرة، هي الشركات الرأسمالية الضخمة متخطية القوميات ". وعرفها أحد الباحثين ذلك التوجه وتلك الدعوة التي تسعى إلى صياغة حياة البشر في مختلف الأمم ، وفق القيم والمسالك والأنماط الغربية ـ وبالدرجة الأولى الأمريكية ـ وتحطيم خصوصيات الأمم المختلفة ، إما بالترغيب أو بالترهيب ".ثم ذكر أن هذا التعريف تلتقي فيه عامة التعريفات وإن اختلفت صياغاتها، وأن هذه الفكرة ليست جديدة، فإشاعة قيم الغرب ، تدرجت من التغريب، إلى الحداثة ، ثم إلى العولمة، فليس في الأمر شيء جديد .والراجح في معنى العولمة هي نشر القيم الغربية الرأسمالية في العالم، وجعل العالم كله يسير وفقا للنموذج الغربي الرأسمالي في مجالات السياسة ، والأقتصاد، والثقافة وتوحيد أقصى العالم بأدناه عن طريق التكنالوجيا الحديثة والتي بدأت تدخل بيوتنا من خلال الكمبيوترات ..حيث بأمكان المرء التواصل مع العالم من بيتهأنواع العولمة والفرق بينها وبين العالمية : ربما كان من أسباب أختلاف تعريفات العولمة وصعوبتها ، تعدد أنواع العولمة نفسها .فمن الطبيعي أن تختلف تعريفات العولمة باختلاف أبعادها وتجلياتها ومؤشراتها على أرض الواقع، ويمكن حصر العناصر الأساسية لظاهرة العولمة الراهنة في مستويات ثلاثة متداخلة ومترابطة هي: الاقتصاد ، والسياسة، والثقافة .فالعولمة إذن تنقسم إلى أقسام متعددة أهمها ما يلي :1- العولمة السياسية وتعني نشر القيم الغربية في مجال السياسة بالدعوة إلى الأخذ بالديمقراطية الغربية بوصفها نظاما للحكم ، مع ما يتطلبه ذلك من تعددية سياسية ، وأحزاب ، وحرية في التعبير ، ومجالس تشريعية ، ودساتير ، ورأي عام ، وغير ذلكوهذا النوع وإن كان قد تغلغل في مجتمعاتنا منذ الأستعمار العسكري الغربي في القرنين الماضيين، إلا أنه تزايد وانتشر بعد إطلاق مصطلح العولمة إنتشارا ملحوظا .2- العولمة الفكرية والثقافية والاجتماعية وتعني نشر الفكر الغربي في النظر إلى الكون والحياة والإنسان ، بوسائل منها : الأدب الغربي الذي أخذ يتسلل إلى مجتمعاتنا باسم الحداثة ، وشبكة المعلومات الدولية والفضائيات التي أصبح انتشارها في العالم ممكنا ، بعد أن غزا الغرب الفضاء وثبت فيه عددا كبيرا من الأقمار الصناعية .3 - العولمة الاقتصادية وتعني نشر القيم الغربية في مجال الاقتصاد مثل: الحرية الاقتصادية ، وفتح الأسواق ، وترك الأسعار للعرض والطلب ، وعدم تدخل الحكومات في النشاط الاقتصادي ، وربط اقتصاد الدول النامية بالاقتصاد العالمي ، بحيث يصبح العالم مقسما إلى قسمين لا ثالث لهما ؛ قسم ينتج ويطور ويبدع ويصدر وهو الدول الغربية ، وقسم يستهلك ويستورد فقط وهو الدول النامية ومنها الدول الإسلامية.وهذا هو مغزى الاستعمار قديما وحديثا ، أعني امتصاص خيرات الشعوب الضعيفة وجعلها دائما تابعة للدول الصناعية الغربية .وقد لا أجافي الحقيقة إذا قلت إن الاقتصاد هو المحرك أو السبب الرئيس لكثير من الأحداث العالمية ، لأننا نعيش في عالم يقدس المال ويسعى إلى الحصول عليه بطرق شتى وفقا لمبدأ الإيطالي ميكيافيلي " الغاية تبرر الوسيلة " .ومع التسليم بخطر النوعين السابقين من العولمة : السياسية والثقافية ، فإن العولمة الاقتصادية هي أشد هذه الأنواع خطرا وهي المحرك الحقيقي للعالم الغربي. أما العالمية " Globalism " فقد عرفتها الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة الصادرة عن الندوات العالمية ، بانه مذهب يدعو إلى البحث عن الحقيقة الواحدة التي تكمن وراء المظاهر المتعددة في الخلافات المذهبية المتباينةويزعم أصحاب هذه الدعوة أن ذلك هو السبيل إلى جمع الناس على مذهب واحد، تزول معه خلافاتهم الدينية والعنصرية ، لإحلال السلام في العالم محل الخلاف.وبناء عليه ، يتبين أن العالمية تمثل مجالا واسعا من مجالات العولمة وهو المجال الثقافي وأن العلاقة بينهما علاقة جزء بكل وإن الفروق وحسب المفكرين والباحثين بين العولمة والعالمية بمعناها الجائز كثيرة منها ما يلي :1 - أن العولمة مسح للثقافات الأخر وإحلال الاختراق الثقافي محل الصراع الأيديولوجي .أما العالمية فهي تفتح على العالم وعلى الثقافات الأخر ، واحتفاظ بالخلاف الأيديولوجي 2 - أن العولمة إرادة للهيمنة ، فهي قمع وإقصاء للخصوصية واحتواء للعالم . أما العالمية فهي طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي ، وانفتاح على ما هو عالمي وكوني .3 - أن طلب العالمية في المجال الثقافي ـ كما في غيره من المجالات ـ طموح مشروع ، ورغبة في الأخذ والعطاء ، وفي التعارف والحوار والتلاقح .أما العولمة فهي إرادة لاختراق الآخرين ، وسلبهم خصوصيتهم. لان العولمة تعني اجبار القوي للضعيف على فعل ما لا يريده .إن مياديين العولمة في النهاية واسعة والجدل في مسائلها عظيم والخلاف في صحة وصدق النتائج محل نظر وقبول ورد عند البعض في عصر إنتشار الأقمار الصناعية التي نردد الكثير من النظرات ونظن أنها معاصرة في حين أن جذورها قديمة قد أرتبطت بأسماء لامعة أعتنت بالفكر والعلم وبذلت جهوداً جبارة لتوفير إجابات تفصيلية لأسئلة مصيرية تمس الحياة والكون والبشرية وقد خطت التربية الإنسانية والفكرية عبر القرون الماضية خطوات واسعة ولكنها ما زالت لا تمتلك مذهباً فكريا كاملا أو مفهوما لما ينبغي أن نفعله لتحقيق السلامة والسعادة في زمن العولمة هذه كما يسمونها . حيث ظهرت مفاهيم شتى وأخرى أندثرت بعد أن ازدهرت وحاولت أن تُولِّد تياراً فكرياً يهيمن على حركة الحياة. ومن المفيد القول أن بعض تلك الأتجاهات والأفكار مهدت لغيرها وتتفق معها في بعض الجوانب في حين أن بعضها الاخر ، قد تتناقض مع غيرها جوهرياً إلا أنها في النهاية تحاول أن تضع نظرية متماسكة للتغيير وفقاً لمبادئ ترى جدواها. ولا شك أن العاملين في ميدان العولمة يحاولون نشر وتنمية الوعي الثقافي الجديد في العالم ويطلعون على هذه النظريات في عالم يعج بالفلسفات والعادات والتقاليد المختلفة ولا يمكن أن نفقه التحديات المعاصرة وأن نواجه الشبهات المتزايدة من غير أن نفهم مكونات ومحاور الأفكار والتوجهات والتجارب العالمية وفي الوقت نفسه نعرف مواطن الضعف وجوانب القوة فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق