الثلاثاء، 12 مايو 2009

ايجابيات وسلبيات التحول نحو العالمية:إن العولمة الاقتصادية باعتبارها مرحلة متقدمة في تاريخ الرأسمالية يتكامل فيها النشاط الاقتصادي وظيفيا عبر الحدود الوطنية سوف يكون وقعها الايجابي والسلبي غير متساو بين الدول. لذلك يجب التأكيد على أن التحذير من سلبيات العولمة الاقتصادية لا يعنى الدعوة إلى الانفصال عن الاقتصاد العالمي ومجرياته، فالهدف إذن من التحذير هو وضع الدول الإسلامية أمام مسئولياتها حتى لا يكون نصيبها من الاندماج في هذا الاقتصاد العالمي الأعباء دون المغانم.1- إيجابيات العولمة:تتيح العولمة مجموعة من الفرص التجارية والاقتصادية والسياسية التي يمكن للدول الصناعية والنامية الاستفادة منها على السواء , وأهم هذه الفرص :أ- انتشار المعلومات والبيانات بحيث تصبح متاحة لدى جميع الدول والشعوب، فمن المتوقع في السنوات القادمة توقيع اتفاقية تستهدف تحرير التجارة في تقنية المعلومات مما سوف يساهم في تضييق الخلافات بين الدول النامية والدول الصناعية بخصوص نقل التقنية وبخاصة تقنية المعلومات.ب_ تعزيز المنافسة بين الدول والشركات في إطار تفعيل آليات السوق الحر على المستوى الدولي وبالتالي تسهيل حركة الناس والسلع والخدمات بين الدول على المستوى الكونى. ولكن من الواجب الإشارة إلى أن توافر سوق كبير أمام الدول الإسلامية لا يكفي وحده لزيادة صادرات هذه الدول، إذ لابد من العمل على زيادة وتحسين الإنتاج وتخفيض تكاليفه وبخاصة في مجال الإنتاج الصناعي والخدمي.ج – محاربة الفساد: يترتب على التحرير الاقتصادي وفتح الأسواق زيادة درجة المنافسة وتقليل البيروقراطية الإدارية الأمر الذي يؤدي إلى تحجيم دور ذوي النفوذ السياسي والإداري ، ومن ثم القضاء على جزء كبير من الفساد الإداري المستشري في كثير من دول العالم الثالث[i]. د - انتشار وتعميق المفاهيم المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير واستنهاض روح المسئولية في المجتمع الدولي لحماية البيئة. ولا شك أن تعزيز هذه القيم يمثل مطالب أساسية للدول الإسلامية. فعلى سبيل المثال قد يساعدنا تطبيق هذه المبادئ بموضوعية في حل الكثير من المشكلات السياسية المعلقة منذ سنوات عديدة؛ مثل حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وحصول الأقليات الإسلامية في العديد من الدول على حقوقها مثل مسلمي كوسوفو والشيشان وكاراباخ والفلبين وكشمير. إلا أنه يجب التحذير من بعض المخاطر التي من الممكن أن ترافق تطبيق هذه المبادئ نتيجة للممارسات الخاطئة والمتحيزة للدول التي تقود النظام الاقتصادي والسياسي العالمي، لذلك ينبغي على الدول الإسلامية الوقوف ضد ازدواجية المعايير التي تمارسها الدول الصناعية في تطبيق حقوق الإنسان وعدم السماح لهذه الدول الأخيرة بفرض نموذج الديمقراطية والتنمية الغربي كنموذج أوحد للديمقراطية والتقدم، والعمل على تقنين حق التدخل التي يمارسه الآن حلف الأطلنطي حتى لا يشهر كسلاح ضد الأمة الإسلامية في يوم من الأيام.ويرى الاقتصادي الأمريكي ( (J. STIGLITZأن العولمة تمتلك قدرات كامنة لإثراء العالم خصوصا الشعوب الفقيرة إلا أن المعضلة تكمن في طريقة ونظام إدارة العولمة[ii].2- سلبيات العولمة:إن التقويم المتوازن لما يجرى الآن اقتصاديا وسياسيا على الساحة الدولية يؤكد وجود نتائج سلبية للعولمة بالنسبة لبعض الدول. إلا أن تحليل هذه السلبيات لا يعني الدعوة إلى الانعزال عن الاقتصاد العالمي ومجرياته، بل الهدف من إظهار هذه السلبيات هو وضع الدول الإسلامية أمام مسئولياتها حتى لا يكون نصيبها من الاندماج في الاقتصاد العالمي الأعباء دون المغانم. هذا ويمكن إجمال هذه السلبيات في الآتي:أ- اتهام العولمة الاقتصادية المعاصرة بتكريس عدم العدالة في توزيع مكاسب تحرير التجارة الدولية من استيراد وتصدير، نظرا لاحتكار الأقلية من الدول المتقدمة والشركات متعددة الجنسية التي صدرت عنها الدعوة للعولمة للمزايا الاقتصادية والسياسية على المستوى الدولي. وترتيبا على ذلك تصبح العولمة المعاصرة مجرد إعادة إنتاج لنظام التبادل القديم غير المتكافئ؛ فالشركات متعددة الجنسية تتسم بضخامة إستثمارتها وحجم أعمالها، وتنوع أنشطتها الاقتصادية والانتشار الجغرافي والاعتماد على توظيف المدخرات العالمية والقدرة على تعبئة الكفاءات البشرية العالية من مختلف الجنسيات، واحتكارها للمنتجات ذات المحتوى التقني المرتفع ولمنجزات البحث العلمي. ونتيجة لهذه الإمكانيات أصبحت هذه الشركات تهيمن على توجيه الاستثمارات على المستوى الدولي مما أدى إلى تضخم أرباحها. وقد أدى تحكم هذه الشركات في مصير الاقتصاد والتجارة العالميين أن أصبحت حكومات الدول الإسلامية مضطرة لمناقشة مستقبل اقتصادياتها مع هذه الشركات. ويلاحظ أن التخوف من سطوة الشركات متعددة الجنسية لا يقتصر على شعوب وحكومات الدول النامية والإسلامية بل يتعداها إلى سكان البلاد الصناعية. وقد حملت هذه المخاوف أحزاب يسار الوسط إلى الحكم في التسعينيات من القرن العشرين في دول الاتحاد الأوربي الرئيسة مثل وصول حزب العمال بقيادة ( توني بلير) إلى الحكم في المملكة المتحدة، ووصول الحزب الاشتراكي بقيادة ( ليونيل جوسبان) إلى الحكم في فرنسا، ووصول الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة ( جيرهارد شرودر)، وحزب الخضر بقيادة ( يورك فيشر ) إلى الحكم في ألمانيا. وفى مقال في صحيفة " الاندبندت " البريطانية[iii] أشار رئيس الوزراء البريطاني ( توني بلير) إلى أنه بدون إعلاء قيم العدالة الاجتماعية والتكافل والحقوق المتساوية في العمل لن يكون تيار العولمة محتملا من جانب المواطن العادي وسينتهي الحال بهذا التيار إلى الانهيار، وذلك في إشارة واضحة إلى الدور المتنامي للشركات متعددة الجنسية في الاقتصاد العالمي.ويمكن تحليل التوزيع غير العادل لمكاسب العولمة الاقتصادية من خلال نصيب التجمعات الدولية في المجالات الآتية :أولا : التوزيع اللامتكافئ للثروة العالمية : ففي بعض التقديرات أن 20% من الأكثر غنى من سكان العالم تحصل على 82% من إجمالي الدخل العالمي [iv]. كما أن 358 مليارديراً في العالم يمتلكون معا ثروة تضاهي ما يملكه 2.5 مليار من سكان العالم[v].ثانيا : الأضرار بالتوظف على المستوى العالمي : تشير بعض المراجع إلى أن نسبة 20% من السكان العاملين ستكفي في القرن الحادي والعشرين للحفاظ على النشاط الاقتصادي في العالم وبالتالي فإن نسبة البطالة ستصل إلى 80% من قوة البشر القادرين على العمل في العالم وسيتركز معظم هؤلاء العاطلين في دول العالم الثالث[vi].ثالثا : تعميق ظاهرة التبادل الدولي غير المتكافئ : حيث تتهم العولمة الاقتصادية بتكريس عدم العدالة في توزيع مكاسب تحرير التجارة الدولية نظرا لاحتكار الأقلية من الدول الكبرى للتجارة الدولية استيراداً وتصديراً علاوة على احتكارها للمزايا الاقتصادية والسياسية على المستوى الدولي[vii]. ويوضح الجدول التالي التوزيع الجغرافي للتجارة الدولية:
التجارة الدولية : استيراد وتصدير
النسبة المئوية من التبادل التجاري (2000)
المنطقة الجغرافية
الوردات
الصادرات1- أمريكا الشمالية2- أوربا الغربية3- أسيا4- أوربا الشرقية5- أمريكا اللاتينية6- أفريقيا7- الشرق الأوسط
22.5
38.6
24.9
3.6
5.8
2.0
2.6
16.6
38.4
28.7
4.3
5.6
2.3
4.1Source : World Trade Organization (WTO) ; International Trade Statistics “ Geneva , 2001.يتضح من الجدول السابق أن أمريكا الشمالية وأوربا الغربية تحصل على نصيب الأسد من التجارة الدولية إذ أن نصيبها من الصادرات يصل إلى 55% ونصيبها من الواردات يرتفع إلى 61%. كما يلاحظ أن معظم صادرات هذه الدول تتمثل في منتجات صناعية وخدمية أما واردتها فتتمثل في المواد الخام والطاقة المحركة، أما عن الشرق الأوسط ، كمثال للدول لإسلامية، فإن نصيب دوله من الصادرات العالمية يصل إلى 2.6% ونصيبها من الصادرات عبارة عن 4.1% فقط. ويلاحظ أيضا أن معظم صادرات دول الشرق الأوسط تتمثل في المواد الخام والنفط. وترتيبا على ذلك تصبح العولمة المعاصرة مجرد إعادة إنتاج لنظام التبادل القديم غير المتكافئ، أما الأمر الجديد فهو إقناع دول العالم الثالث بفتح أسواقها أمام المنتجات الصناعية والخدمية التي تصدرها البلاد الصناعية المتقدمة.ب- الانفصال المتنامي بين حركة الاقتصاد المالي المتمثل في تجارة العملات والتوظيفات المالية وحركة الاقتصاد العيني المتمثلة في تدفقات السلع والخدمات الحقيقية، فقد ترتب على إتباع أسعار الصرف العائمة للعملات الصعبة والعولمة السريعة والمتزايدة للأسواق المالية والنقدية وجود كمية كبيرة من النقود الدولية تتحرك في أسواق المال الدولية باستقلالية كاملة عن عمليات تمويل التبادل التجاري[viii]. فعلى سبيل المثال تضاعف حجم النقد الأجنبي المتداول في الأسواق العالمية ثلاث مرات خلال الفترة من عام 1986 - 1993 ليصل إلى ما يقرب من 900 بليون دولار في اليوم الواحد[ix]. وقد ترتب على هذا الوضع العديد من النتائج نجملها فيما يأتي :1- اتساع نطاق الاتجار في العملات من قبل المضاربين على الصعيد العالمي. وقد ساعد تقدم وسائل الاتصال في حرية انتقال المضاربين بسرعة من عملة إلى أخرى.2- زيادة حجم القروض قصيرة الأجل التي تخرج من اقتصاديات البلاد الرأسمالية الصناعية بحثا عن العائد المرتفع في الاقتصاديات النامية والإسلامية.3- زيادة حدة الصدمات الخارجية وهيمنة سلوك المضاربين على استقرار الأسواق الناشئة في البلاد النامية والإسلامية.4- فشل صندوق النقد الدولي في تحقيق الاستقرار النقدي والمالي على المستوى العالمي.وتجدر الإشارة إلى أن أزمة الأسواق المالية الآسيوية التي حدثت في عام 1997 ومازالت أثارها مستمرة حتى الآن ترجع أساسا إلى تسرع دول جنوب شرق أسيا في إزالة القيود وفتح أسواقها المالية بلا ضوابط أمام تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية قصيرة الأجل غير المستقرة وذلك في ظل غياب القواعد السلوكية والتنظيمية التي تحكم حركة الأموال وتجارة العملات وتصرفات الجهاز المصرفي. ج- الصراع بين العولمة ومفهوم الدولة القومية ؛ فالعولمة تقلل من أهمية الحدود السياسية بينما تؤكد القومية على الخطوط الفاصلة بين الحدود . وفي المجال الثقافي والاجتماعي تعني العولمة انتقالا للأفكار والمبادئ والقيم والعادات الاجتماعية بينما تميل القومية في بعض الأحيان إلى المحافظة على الخصوصية الثقافية والعقدية ونمط الحياة الاجتماعية[x]. وفى هذا الصدد تلعب وسائل الإعلام وأجهزته في العالم العربي دور خطيرا في الترويج للأيدلوجيا الليبرالية ونمط التفكير الغربي حتى يتم إعادة تكوين رؤية جديدة للعالم توافق إلى حد بعيد المصالح الاقتصادية لأمريكا وأوربا. أو بمعنى آخر السعي إلى توحيد المفاهيم الثقافية والقيم الأخلاقية في العالم طبقاً للمعايير الأمريكية ، وهو ما يشكل أحد أسباب الصدام مع العالم الإسلامي[xi] . وبالتالي هناك تخوف من هيمنة الثقافة الغربية بصفة عامة والأمريكية بصفة خاصة على كل أنحاء العالم مما يساهم في إضعاف الهويات الثقافية والعقدية للجماعات البشرية. وتجدر الإشارة إلى أن من يخطط لمحو التعدد الثقافي العالمي وبخاصة إضعاف الثقافة الإسلامية لن يحالفه التوفيق حتما. فالثقافة الإسلامية التي استمرت طيلة أربع عشر قرنا من الزمان قادرة على التفاعل الايجابي الخلاق مع الثقافات الأخرى ومع تطورات الزمن، بل وأكثر من ذلك ؛ فإن العولمة سوف تؤدى إلى اتساع نطاق الثقافة الإسلامية لأنها أقدر وأقوى من غيرها على النفاذ إلى قلوب وعقول الناس. إلا أن المطلوب هو ترشيد وتنسيق العمل الإسلامي في مواجهة الثقافات الأخرى الوافدة واستلهام القيم الذاتية ذات الجذور الإسلامية في عملية بناء الشخصية الإسلامية.د - تباطؤ الدول المتقدمة في الوفاء بالتزاماتها التي تعهدت بها في ختام دورة أورجواي حتى تدفع الدول النامية على توقيع اتفاقيات إنشاء منظمة التجارة العالمية، ومن أهم هذه الالتزامات تعويض الدول النامية المتضررة من ارتفاع تكاليف الوردات الغذائية بسبب إلغاء دعم المنتجات الزراعية والإجراءات الحمائية وتيسير نقل المعارف الفنية للدول النامية. ومن المعلوم أن تراجع الدول الصناعية عن الوفاء بتعهداتها سوف يزيد من أعباء العولمة على البلاد النامية ومواطنيها، وقد أدان البنك الدولي على لسان( نيكولاس شيترن) رئيس القسم الاقتصادي في البنك. النفاق التي تمارسه الدول الغنية التي تطالب الدول النامية بفتح أسواقها أمام منتجات الدول الصناعية المتقدمة في حين تعمل هذه الدول الغنية على حماية نفسها عبر فرض سياسات دعم وحواجز جمركية[xii].هـ - الإضرار بالتوظف في دول العالم الثالث : ينظر مناهضو العولمة على أنها تمثل خطراً دائماً على الصناعات الصغيرة والمتوسطة لأن هذه الصناعات لا تقوى على منافسة المنتجات الصناعية المستوردة من الدول الصناعية ، سواء من حيث الجودة أو تكاليف الإنتاج . كما أن منشآت تجارة التجزئة صغيرة الحجم تصبح في وضع تنافسي غير متكافىء أمام زحف منشآت التوزيع العالمية داخل السوق الوطنية؛ مثل سلسلة محلات كارفور ، وسنسبيري وغيرها ، وترتب على ذلك إفلاس الكثير من هذه المنشآت والصناعات وفقد الكثير من المواطنين لوظائفهم ، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة . علاوة على ذلك فإن السعي المحموم لتحقيق الربح سيدفع الشركات متعددة الجنسية التي توطن إنتاجها في دول العالم الثالث إلى استغلال مواطني هذه الدول العاملين في هذه الشركات، ويأخذ هذا الاستغلال صوراً عديدة أهمها تخفيض الأجور و إجبار العمال على العمل ساعات طويلة ، وتقدم هذه الشركات على ذلك نظرا لما تتمتع به من نفوذ قوي ونافذ لدى صناع القرار السياسي في الكثير من الدول النامية[xiii]. علاوة على ذلك هناك اتهام لعدد من المنظمات الدولية بالتواطؤ مع بعض الدول الصناعية والشركات المتعددة الجنسية ضد فقراء العالم. فالتقرير السنوي للهيئة العالمية عن أبحاث الصحة،( وهى إحدى الهيئات التي تديرها منظمة الصحة العالمية) يتهم هذه المنظمة بالتحول من الاهتمام بالمحتاجين إلى تقديم الرعاية إلى مالكي رؤوس الأموال ومالكي شركات الأدوية. ويشير التقرير إلى أن الموازنات الضخمة للأبحاث الطبية في منظمة الصحة العالمية والتي تقدر بنحو 73.5 بليون دولار في السنة تأتى معظم أموالها من الدول الغنية وتنفق على اهتمامات الصحة في تلك الدول بعينها ولا يذهب سوى 10% من هذه الأموال إلى بقية سكان العالم[xiv]. ونتيجة لذلك اصطدمت جهود العلم لصنع لقاح للملاريا بغياب التمويل المناسب على الرغم من أن الملاريا تحصد أرواح الملايين سنويا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق