السبت، 16 مايو 2009

العولمة هي ظاهرة أفرزتها ثورة الاتصالات وتقانة المعلومات في ظل النظام العالمي الجديد، الذي أتاح للولايات المتحدة ودول الغرب السيطرة الكاملة والهيمنة على العالم، في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتقنية والعسكرية. وقد اهتم المفكرون بهذه الظاهرة وما قد يترتب عليها من تداعيات ونتائج تؤثر على الناس في شتَّى مناحي الحياة، وبصفة خاصة، على هويتهم الثقافية، وثقافتهم القومية، وذاتيتهم الوطنية، ومعتقداتهم الدينية. ونتناول في هذا البحث مفهوم العولمة، وظهورها، والفرق بينها وبين العالمية، والآثار الإيجابية والسلبية الناجمة عنها، خاصة ما يتعلق منها بالجانب الثقافي، وأثر ذلك على الهوية العربية والإسلامية، ثم نبحث في سُبِل التعامل معها ومواجهتها.تعريف العولمة ومفهومها:تعتبر "العولمة" من أكثر العناوين والمصطلحات استخداماً في عصرنا الحاضر، بل أكثر قضايا العصر المثارة على نطاق العالم الواسع. ورغم كثرة ما كُتِب فيها، لم يتفق الباحثون والمفكرون على تعريف واحد لها، وتعددت مناهج الباحثين في تعريف العولمة، فركز البعض على أحد أبعادها، قي حين حاول البعض أن يعرفها بتعريفات تنسجم مع موقفه منها وتوجهاته من حيث الرفض أو القبول. ويذهب بعض الباحثين (وﮔا ﮒ، 2002م، ص96) إلى أن أقرب تعاريف العولمة إلى الدقة هو: "أن العولمة هي دمج ودمقرطة ثقافات العالم، واقتصادياته وبنياته التحتية، من خلال الاستثمارات الدولية، وتنمية تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وتأثير قوى السوق الحرة على الاقتصاديات المحلية والإقليمية والعالمية"؛ ومنهم من يقول أنها حرية حركة السلع والخدمات والأيدي العاملة ورأس المال والمعلومات عبر الحدود الوطنية والإقليمية. وهناك من يرى (الشيباني، 2001م، ص331 ويسين، 1998م، ص27) أن العولمة هي إقحام الجميع في دخول ترس الآلة العالمية بسبب الثورة الجامحة للمعلوماتية وتطور تقنية الاتصالات، وبذلك يكون مصير الإنسانية مُوَحَّداً.وعندما نذكر مصطلح "العولمة" (Globalization)، أو نسمعه، فإن الذهن يتجه فوراً إلى الكونية، أي إلى الكون أو العالم الذي نعيش فيه، ومن هنا ندرك أن المصطلح يعبر عن حالة من تجاوز الحدود السياسية الراهنة للدول إلى آفاق أكثر اتساعاً تشمل العالم بأسره. وهذا يعني تنازل الدولة الوطنية، أو حملها على التنازل، عن حقوق لها، لصالح "العالم"، أو بعبارة أدق، لصالح المتحكمين في هذا العالم. والصيغة الصرفية للفظة "عولمة"، هي "فَوْعَلَة"، وقد فرضتها على اللغة العربية حاجة العصر وما طرأ عليه من مستجدات. وهي تدل على تحويل الشيء إلى وضعية أخرى مثل "قولبة" من "قولب"، أي وضع الشيء في صيغة قالب ... الخ. ومن ثم، يكون معنى "العولمة" هو وضع الشيء على مستوى "العالم" (الجابري، 1997م، ص135). فعندما نقول مثلاً عولمة النظام الاقتصادي، أو عولمة السياسة، أو عولمة الثقافة، فإننا نعني تحول كل منها من الإطار القومي ليندمج ويتكامل مع النظم الأخرى المثيلة لها في العالم. لقد ظهر مصطلح العولمة أول ما ظهر في مجال المال والتجارة والاقتصاد، غير أنه لم يعد مصطلحاً اقتصادياً محضاً، فالعولمة الآن يجري الحديث عنها بوصفها نظاماً أو نسقاً ذا أبعاد تتجاوز دائرة الاقتصاد. إنها الآن نظام عالمي، أو يراد لها أن تكون كذلك، يشمل مجال المال والتسويق والمبادلات والاتصال ... الخ، كما يشمل أيضاً مجال السياسة والفكر والإيديولوجيا. والعولمة هي فرض نمط أو نموذج معين على البشر جميعاً؛ بما يعنيه ذلك من القضاء على الخصوصية، والمنافسة، والتنوع، والاختلاف، الذي هو قانون الله النهائي غير القابل للتعديل أو التغيير (أبو صقر، 2000م، ص 51-53).ومصطلح "العولمة" هو ترجمة لكلمة Globalization الإنجليزية التي ظهرت أول الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تفيد معنى تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل الكل. وبهذا المعنى يمكن أن نفترض، أن الدعوة إلى العولمة بهذا المعنى إذا صدرت من بلد أو جماعة فإنها تعني تعميم نمط من الأنماط التي تخص ذلك البلد أو تلك الجماعة وجعله يشمل العالم كله. وقد رأى الباحثون أن العولمة في صورتها الراهنة هي الدعوة إلى تنميط العالم بالنمط الغربي، أو بعبارة أدق، هي الدعوة إلى توسيع النموذج الأمريكي وفسح المجال له ليشمل العالم كله. لذا نجد هناك من يقرن بين العولمة وبين "الأمركة"، بصفتها معنية بنشر الطابع الأمريكي وتعميمه (الجابري، 1997م، ص 137).إن تحَكُّم الولايات المتحدة الأمريكية في أكثر من 65% من وسائل الإعلام العالمية، ساعدها إلى حد بعيد في نشر الطابع الأمريكي. ولما كان من اليسير على الولايات المتحدة نشر القيم والمبادئ الأمريكية، لامتلاكها وسائل القوة الاقتصادية والعسكرية، كان من البديهي أن تسخر هذه العولمة لصالحها. فالعولمة هي هذا النظام العالمي الجديد، أحادي القطب، يدور في فلكه كافة دول العالم، ويسيطر اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وعسكرياً وتكنولوجياً ومعلوماتياً، وتلعب فيه الولايات المتحدة دوراً فاعلاً ومحركاً وأساسياً (الشيباني، 2001م، ص 332، والمرسي، 1999م، ص 178-182).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق