الاثنين، 4 مايو 2009

العولمة شيطان العصر معنى العولمة : اختلفت الآراء على معنى العولمة فمن قائل أن العولمة ظاهرة اقتصادية , ومنهم من يقول أنها ظاهرة ثقافية , وثالث على انها حقبة تاريخية , ورابع على أنها ثورة تكنولوجية وخامس على أنها هيمنة أمريكية . وبرزت تعريفات تحدد ذلك مثل : 1- نقصد بالعولمة : ذلك التروع الثقافي الذي يبدو في ظاهرة جديدا ويسميه البعض النظام العالمي الجديد ( العلي , 2002 , ص 10) 2- العولمة : هي التطور في رؤية وتطبيقات تكنولوجيا الاتصال في القرية الإلكترونية التي تحكمها تقنيات الكمبيوتر والإنترنيت والبث التلفزيوني الفضائي عبر الأقمار الصناعية ( عبد المعطي 1999 , ص112 ) 3- العولمة : هي نمط يعبر عن درجة التطور في مجتمع ما , وتاثيرات هذا التطور خارج حدود الإقليم أو الوطن ( حجازي 2001 , ص9 ) 4- العولمة : تعني عالمية السوق إنتاجا واستهلاكا على حد سواء , فإنها تتعارض بالدرجة الأولى مع مفهوم الاقتصاد الوطني وتتعارض العولمة أيضا مع مبدأ السيادة الوطنية للدول ( النقري 1999 , ص10 ) 5- العولمة : كما يراها كثير من المفكرين والكتاب هي سيطرة ثقافة من الثقافات على جميع الثقافات في العالم ( النشار 1999 , ص10 ) وهناك من الآراء من يجمع بين هذا أو ذاك من التعريفات في معنى واحد , ويرى الدكتور محمد أبو يحيى وآخرون في كتابه ( الثقافة الإسلامية ) المطبوع بالأردن سنة 2000 , ان العولمة نظام عالمي جديد , يقوم على الإبداع العلمي والتقني , وثورة الاتصالات بحيث تزول الحواجز والحدود بين الأمم والشعوب والدول , ويمسي العالم وكأنه قرية كونية . وعلى الرغم من ان مدلول المصطلح اقتصادي ومالي , يشير إلى ما يجب أن يكون بين الدول من إزالة للحواجز امام حرية التجارة لإتاحة حرية تنقل السلع ورأس المال , إلا أن هذا المصطلح قد تجاوز البعد الاقتادي والمالي ليمس جميع جوانب الحياة سياسيا وثقافيا وأخلاقيا وتربويا . وبهذا المعنى فإن العولمة تمتد إلى كل مظهر وكل جانب من جوانب الحياة , بحيث يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر بها , ولعل أهم هذه الجوانب ثلاثة هي : الجوانب الاقتصادية , السياسية , الثقافية ( العلي 2002 , ص 10 – 11 ) 2 - السمات الأساسية لظاهرة العولمة : من خلال استعراض تعاريف العولمة , برز أمامنا الشكل الذي ظهرت به العولمة في العقد الأخير وهو شكل ذو سمات خاصة جدا منها أنه يتمتع بما يلي : 1- الإيقاع السريع في الانتشار والوتيرة الواسعة في الاستقطاب . 2- غزو واضح لمختلف الآفاق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية . 3- الاعتماد على ثقافة اتصالية غاية في التطور تتصدرها ثورة عارمة في مجال الإعلام والتربية والاتصال والثقافة المرتبطة بها . 4- الاجتياح العام للعولمة كترعة قوة كبرى تمثلها الولايات المتحدة الأمريكية وتهيمن بها على مختلف الأصعدة وعلى كافة الميادين في العصر الحاضر . 5- القدرة على تحقيق الأهداف التي ينشدها بوسيلة تجمع بين الإقناع والإذعان فهي وسيلة الإعلام الحديث وهو سيل يتدفق من الدول الكبرى خاصة أمريكا ليجتاح الدول الصغيرة سواء على إدارة منها أو حينا او على غير إرادة منها احيانا كثيرة ( العلي 2000 , ص12 ) 3- اعتبارات أساسية في تحليل العولمة : على الرغم من سيادة مفهوم العولمة وانتشار تداوله بين المثقفين في العالم إلا أن ما يحيط به من غموض يكاد يكون هو المعبر عن السجالات التي تدور حوله . فمن الصعوبة بمكان تحديد كل جوانب العولمة كعملية لها أبعاد وجوانب متعددة ومتشابكة ولا تقتصر على جانب واحد وإن كان الغالب اقتصادي الهدف حيث تغيب عمليا الجوانب الأخرى السياسية والثقافية . وفيما يلي بعض الاعتبارات التي تفيد في فهم الظاهرة وتحليلها من جوانبها المختلفة وتأثيراتها المتبانية : 1- العولمة بالمفهوم المتداول الآن وبعد سقوط نظام القطبين واندثار (( العالم الثالث )) لم تعد منسوبة ومنذ عقدين تقريبا إلى كلمة globle أي الأرض وتعرب بكلمة كوكبة globalization وتصبح العولمة تتجاوز كعملية هي ترجمة لكلمة globality وهي العلمية التي تملك آليات التطبيق أي تحويل العالم إلى شكل موحد يلغي الحدود بين الدول والأمم . 2- عولمة اليوم تتجاوز الحدود , ولا تقر بالوطن باعتباره الفسحة الوحيدة المتاحة التي يستطيع فيها الناس ممارسة حقوقهم السياسية كاملة هنا أو منقوصة هناك. 3- تعني العولمة في حياة الشعوب الأكثر فقرا ,التعبير الصارخ عن الهوة السحيقة المتزايدة عمقا والتي تفصل بين قدرات الشعوب على تحقيق مطامحها , وبين القرارات الكبرى التي تحدد مصيرها وتؤخذ دائما بمعزل عنها خارج الحدود . 4- العولمة الكوكبية هي نتاج متغيرات متلاحقة تكرست بانتهاء الحرب الباردة , إنها مرحلة جديدة يسميها البعض مرحلة ما بعد الإمبريالية ويسميها الاخر مرحلة ما بعد التنمية ويتفق الجميع على كونها الوليد الشرعي للشركات متعددة الجنسيات تلك الشركات التي استطاعت السيطرة على معظم أجزاء الكوكب اقتصاديا وسياسيا وثقافيا دون ان تنتمي إلى وطن محدد أو دولة معينة . 5- غياب الصفة الوطنية عن هذه الشركات , لايجعلها ملك البشرية جمعاء , إنها ملك الأغنياء في دول الشمال تحديدا , حيث تغزو بنشاطاتها المتنوعة , عشرات البلدان , وتنتج في عشرات البلدان الأخرى مصنعات وفق نظام الإنتاج عن بعد tele production . 6- في ظل العولمة يختفي دور المصمم أو المبدع ليحل محله مروج السلعة وبائعها , تلك السلع التي تنتجها الشركات متعددة القوميات وفق نظام الإنتاج عن بعد . والتي تلعب فيها وسائل الإعلام الدور المحوري في تشكيل طموحات المستهلكين لثقافة العولمة . 7- من يحلل الخطاب السياسي في ظل عولمة اليوم يجد اختفاء كلمة استقلال أو كلمة وطني أو عبارة تقرير المصير , وحلت محلها كلمات اخرى ومفردات مكرسة لوصف السوق المعولم ولشرح قواعده , ولمديح مزاياه وكيفية التعامل معه باعتباه القدر الذي يصنع مستقبل الناس والمصير . 8- لقد تحول معظم المسؤولين في لقاءاتهم وأسفارهم إلى رجال إعمال يعقدون الصفقات ويستجدون القروض ويحضون الأغنياء على الاستثمار وفق معايير هذه الأيام , هنا وهناك في بلاد الفقراء الواسعة , لقد تحولوا إلى باعة متجولين لصالح الشركات عابرة القوميات . 9- العولمة الكوكبية تستهدف الشرائح القادرة على الاستهلاك في كل مكان , فلا مكان للفقراء في حساب الشركات متعدية الجنسية , وهي تنظر إلى كوكب الرض وقد جعلته سوقا واحدا , مفتوحة أمام بضائعها . 10- تحتل التقنيات الحديثة والتكنولوجية شديدة التعقيد موقعا محددا في حسم معركة التنافس بين الشركات متعدية الجنسية فهي تساعد في تخفيض كلفة اإنتاج بالتقنية , وبتقليص العديد من العاملين , لذلك تنفق هذه الشركات والنظم السياسية الملحقة بها الكثير من الأموال على البحوث العلمية لا لخفض تكلفة المنتج فقط , بل الاستنباط تكنولوجيا أكثر تقدما ، تخلق بدورها حاجات جديدة , عن طريق إنتاج السلع الجديدة , ثم تعمل بعد ذلك على جعل استهلاك هذه السلع نمطا يعم السوق ( الكوكبة المعولمة ) في كل مكان , تملك فيه البشرية القدرة على الشراء ويتساوى في ذلك , كل ما هو ضروري وكل ما هو كمالي في حياة الناس من مأكل وملبس وموسيقى وغناء وغيرها . 11- يجب أن نعترف بأن الهوية هي صفات وأحاسيس ونمط حياة , هي في كل شئ , في المأكل والملبس والموسيقى والثقافة والغناء في الحرية والمقاومة والصمود . ويجب أن نعترف بأنها نمط معيشي يتفاعل مع المتغيرات المحيطة به , فيتغير معه , دون أن يذوب فيه , يتأصل بداخله لكنه يكتسب الجديد دائماً . الهوية إذا هي أحد مكونات الشخصية الوطنية , فلا مكان لمن ليس له هوية في ظل عولمة بلا حدود . 12- أثيرت قضية العولمة مرتبطة بالتطور التكنولوجي في مرحلة الرأسمالية المتاخرة , من خلال حركة دوران رأس المال على الصعيدين الدولي والقومي وكان لذلك تأثيراته على مستوى الدول حيث تزداد الفوارق بين الدول , ويؤدي إلى خروج بعض هذه الدول محققا مكاسب عالية وأخرى تفقد الكثير حتى من مواردها . 13- من قراءة وتحليل أدبيات الفكر المعاصر يتضح لنا ان اعلولمة هي تعبير عن : أ – أزمات وتناقصات يمر بها النظام الرأسمالي ذاته ( أزمة في الداخل ) فعلى الرغم من أنها تبدو دعوة إنسانية تطرق إليها الذهن الرأسمالي ما بعد الحداثي بعد فقدان أنسنة الحداثة , إلا أن ذلك في حد ذاته يشير إلى فقدان النظام الرأسمالي قيما إنسانية سادت في مرحلة التقدم المادي أي في مرحلة الحداثة والتي يرمز لها بموت الإنسان . ب- أزمة الشعور بفقدان الذات المركزية من داخل المركز الرأسمالي ذاته , ومن ثم تعد العولمة معبرة عن صياغة فكرة إيديولوجية مستحدثة مغلفة بالمبادئ الإنسانية كالديمقراطية والمساواة والحرية الكاملة على الأصعدة الدولية وتحقق هدفها في الهيمنة عابرة القوميات . العولمة بهذا المعنى : هي صياغة جديدة لإعادة المركزية الرأسمالية في ثوب جديد أو مستحدث . ت – محاولة لنشر حضارة السوق العولمة وهي بذلك تعبر عن سيادة نمط التشيؤ حيث العمل على تحويل كل شئ إلى سلعة متداولة في السوق لصالح قوى حرة جديدة عابرة للقوميات ( حجازي 2001 , ص 21 – 24 ) . 4- صناعة العولمة وإشكالية الهوية : في عصر الانهيارات الكبرى وفي ظل آليات الهيمنة العالمية تحولت الثقافة الاستهلاكية إحدى مجالات تدويل النظام الرأسمالية , إلى آلية فاعلة لتشويه البنى التقليدية وتغريب الإنسان وعزله عن قضاياه وإدخال الضعف لديه والتشكيك في جميع قناعاته الوطنية والقومية والإيدولوجية والدينية . وذلك بهدف إخضاعه نهائيا للقوى والنخب المسيطرة على القرية الكونية وإضعاف روح النقد والمقاومة عنده حتى يستسلم نهائيا إلى واقع الإحباط فيقبل بالخضوع لهذه القوى او التصالح معها . وهكذا تعد العولمة إحدى التحديات التي تقف أمام بناء المجتمعات التقليدية لأنها تحطم قدرات الإنسان فيها , وتجعله إنسانا مستهلكا غير منتج , ينتظر ما يجود به الغرب ومراكز العالم من سلع جاهزة الصنع , بل في سبيل زيادة حدة الاستهلاك على المستوى العالمي . ولا جدال في ان النظام العالمي الجديد المزمع تشكيله لا يختلف كثيرا من حيث أهداف تحقيق الهيمنة الخارجية نظرا لأنها السبيل الوحيد للمحافظة على قدرة النظام الرأسمالي في تطوير ذاته وتوزيع منتجاته وتأمين استقرار أو ضاعة ووصوله إلى مراحل الرفاهية داخل نطاق حدوده إلا إن الأوضاع لا تستمر دائما على هذا النحو بسبب أن طبيعة الدورة الاقتصادية في النظم الليبريالية الحرة كما أشارت المدرسة الكيترية تقوم على مبدأ التوافق مع الأزمات حيث تمر هذه المجتمعات بأزمات متلاحقة تكون هي القوة الدافعة للتطوير والإنتاج وتحسين الأداء وتنمية القدرات لحل هذه الأزمات التي تنتاب دورة الإنتاج وتعمل على تكاملها ولتجنب هذه الأزمات تطورت آليات الهيمنة الخارجية نحو تغير أساليب الاستغلال وإن كان الهدف واحدا والعولمة باعتبارها عملية تاريخية تبحث عن آليات جديدة للهيمنة في مرحلة التقارب بين القطبين الرأسمالي والشيوعي قبل انهيار الأخير كان الاهتمام منصب على تدعيم الوجود والاستمرار المطرد لتفوق النظام الرأسمالي في مواجهة النظم الشمولية وبعد نجاح النظام الليبرالي الحر وانفراده بالنفوذ العالمي أتجه إلى تغيير أسلوب الهيمنة اخارجية وأصبحت رأسمالية العلم والتقنية بحاجة لتوحيد النخب المدعمة لهذا النظام وظهرت قوى رأسمالية متعددة القوميات ولقد أسهمت التطبيقات التي تمت إلى الآن في مجال تقنية المعلومات والاتصال والتقنية الحيوية في تجديد القوى المنتجة وإتاحة فرص هائلة لإعادة هيكلة الإنتاج الرأسمالي كماً وكيفاً , فبتغيير الهيكل الصناعي تقدمت إلى الصدارة صناعة المعلومات والمعرفة والثقافة وبتغير أدوات الإنتاج وفنونه تغير هيكل قوة العمل وبنية الطبقة العاملة تركيباً ونوعاً واتسع نطاق الفئات والشرائح الوسطى وهي أمور ذات أهمية في تحقيق الاستقرار الداخلي للنظام الرأسمالي وبعد تعميم ثقافة الاستهلاك واحدا من آليات الهيمنة المفروضة على الشعوب والأمم التقليدية , وهي مجال مكمل ومتمفصل مع أنماط أخرى من التدويل في الإنتاج والمال والتقنية وتشكلت مؤسسات لهذا الغرض حتى تضمن الفئات الرأسمالية مديرة الشؤون العالمية , تصريف منتجاتها وتوزيعها عالمياً وعلى اوسع نطاق ولعبت الشركات متعدية الجنسية دورا مؤثرا في ذلك واهتمت بإنتاج رموز وبنود ثقافة الاستهلاك لتتكامل مع السلع المادية المنتجة ولا يختلف ذلك عن استخدام هذه المؤسسات للعلوم الاجتماعية والسلوكية وتوظيفها في خدمة هذا الغرض ويمكن إيجاز أهم الأهداف التي تسعى إليهاالفئات الرأسمالية الموحدة وتأثيرها على تغير البنى التقليدية في المجتمعات المحيطة بالتالي : 1- التحكم في مسار تطور البنى التقليدية بالقدر الذي يسمح فقط بتصريف منتجات هذه الدول وبالقدر الذي يسهم في تطوير قوى الإنتاج في الداخل وقد لعبت آلية تعميم ثقافة الاستهلاك دورا مؤثرا في ذلك حيث يمكن رصد مظاهر التطلعات الاستهلاكية لدى الفئات والشرائح المختلفة في هذه الدول والعالم العربي خير مثال على ذلك حيث نجد التطلع الشديد للبحث عن الجديد في الأسواق بغض النظر عن حاجة المجتمع إلى هذا الجديد من السلع ولم يقتصر الأمر على الفئات العليا في هذه المجتمعات وهو ما كان هدفا في حد ذاته في النظام الاستعماري القديم حيث كانت الاستراتيجية تقوم على خلق شرائح قادرة على الاستهلاك ولقد أصبح الاستهلاك معمماً على الفئات العمرية والفئوية المختلفة فانتشار لعب الأطفال مثلا التي انتقلت من المرحلة التقليدية المعروفة إلى المرحلة الحديثة والتي تدفعهم بصورة مبهرة نحوها هو خير دليل على ذلك . 2- العمل على تغريب الثقافات الوطنية من خلال آليات أصبحت أكثر قوة مثل وسائل الإعلام والتقنية الحديثة واحتكارها على مستوى المعرفة وعلى مستوى التشغيل وكان لصناعة الثقافة دور هام في هذا الإطار حيث تم توجيه نمط الثقافة من منطلق ما بعد الحداثة , نحو إعادة إنتاج وتقوية منطق الإستهلاك لدى الشعوب ومن يستعرض مثل الأسواق الخليجية والعربية بوجه عام سوف يشهد بأن التوكيلات التجارية الأجنبية المسيطرة على هذه الأسواق تستأثر بالنصيب الأكبر من جملة العمليات التجارية القائمة . 3- توظيف العلم للاختراق الثقافي والهيمنة على الثقافات التقليدية بهدف طمس هوية الشعوب , وقد تعددت آليات هذه الهيمنة كماً وكيفاً بين ثقافة قومية وأخرى , ولا شك أن المتابع للبرامج التي تبثها الإذاعات المختلفة حتى العربية منها يلحظ بوضوح إظهار تفوق الحضارة الغربية , وتغلغل قيم الرأسمالية في المؤسسات الوطنية ذات الصلة بالثقافة مناهج المدارس والجامعات ومراكز البحوث كلها تشير إلى ذلك , بالأضافة إلى ما تقدمه المؤسسات من منح ومواد إعلامية وبحوث تجري عن طريق المؤسسات الرأسمالية , كلها تصب في إطار ترسيخ تفوق الغربي على ماعداه من الجنسيات الأخرى . 4- دعم السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تقدمها المؤسسات الدولية ( البنك الدولي , صندوق النقد الدولي , وغيرها من المؤسسات ) للدول الأقل تطورا طالما أنها تحقق مصالح القوى الرأسمالية الجديدة , وكم من قرارات محلية تتعثر بسبب توحد مصالح القوى الرأسمالية والوقوف ضد هذه القرارات لأنها لا تحقق ما تربو إليه من خدمة النظام الرأسمالي المعولم . 5- نقل الصناعات التقليدية من المراكز الرأسمالية إلى بعض الأجزاء الأخرى من اعلالم إما لاستغلال الأيدي العاملة الرخيصة في الدول المتقلية لهذه الصناعات أو لتفادي تلوث البيئة في المراكز . ومع أن هذه العملية تدخل في عملية تدويل الاقتصاد , إلا أن أبعادها الثقافية اهم بكثير من أبعادها الاقتصادية , فهي ترسخ ثقافة تخليص المجتمعات التقليدية من دائرة التخلف برغم أن الواقع الفعلي يثيت عكس ذلك حيث تعمل الرأسمالية على استخلاص فائض إنتاج الدول المتخلفة ليضاف إلى حساب الفئات الرأسمالية العالمية ويحل من أزمة الداخل في المراكز وليس في المحيطات . وإذا كان البعض ينقل ويردد مقولات سائدة في سوسيولوجيا التحديث حول إيجابيات الاحتكاك والانتشار الثقافي الناتج عن نقل ثقافة المجتمع الحديث إلى المجتمع التقليدي مع نقل التكنولوجيا إلى داخل البنى التقليدية من شأنه أن ينقل المجتمع الأخير إلى مرحلة الحداثة ومن ثم يستطيع تخطي الفارق الزمني الذي يفصل بين المرحلة التي يعيش فيها المجتمع التقليدي وبين المرحلة التي وصل إليها المجتمع الحديث ( الرأسمالي ) , فإننا نقول يخطئ من يتصور ان التبادل الثقافي أمر وارد بين ثقافتين غير متكافئتين , بل يخطئ أكثر من يرى ان الاحتكاك الثقافي والانتشار يساعد الدول الفقيرة في تخطي مرحلة التخلف , ففي كل حالات التبادل الثقافي غير المتكافئ ( الاختراق أو الغزو ) فإن الثقافات الأدنى تفقد تدريجيا مقومات استمراريتها وبذلك تتفكك وتنهار . وعليه نؤكد ما توصل إليه (( فريمون )) في كتابه ( تلاقي الثقافات والعلاقات الدولية ) . " إن الثقافات الأضعف لا تجد أمامها إلا التفكك والانهيار مما يشكل إشكالية على صعيد الهوية وعلى نمط الحياة الاجتماعية . إن فقدان الاستقرار يشكل المصدر الخفي لضياع المجتمع وتجزئته " ( حجازي 2001 ,ص 30 – 34 ) . كما أن تحديث الأبنية الاقتصادية أحياناًما يحيي سلفية الذهنيات , هذا ما توصل إليه المفكر الفرنسي ( ريجيس دوبريه ) , كما ان السيد " يس" يشير مقاله ( العالم بين الكونية والتفكك ) إلى أثار التحديث , فيؤكد ان موجات التحديث يمكن ان تحيي الترعات السفلية التي تحاول الدفاع عن الهوية الضائعة أو التي بسبيلها للضياع لو اتسعت دائرة التحديث والعولمة , فعلى المستوى الاقتصادي يعمل التحديث المعولم على تغيير خريطة الفئات الاجتماعية حيث تصعد شرائح وتهبط أخرى , وعلى المستوى السياسي يعمل التحديث على زلزلة القواعد الاجتماعية التي تقوم عليها الصور المختلفة للتمثيل السياسي , وكذلك على المستوى الثقافي ينتزع التحديث شرعية الفكر السفلي ويعطي لرواد التنوير مكانة في صدر المسرح الاجتماعي وهذا ما لاتقبله الثقافات التقليدية لعوامل ثقافية ودينية لها القوة والشرعية في هذه المجتمعات , كل هذا يؤدي إلى التفكك والأزدواجية , وضياع الهوية . ( حجازي 2001 , ص34 ) 6- عولمة الثقافة وحضارة السوق هل العولمة هي عملية غسيل حقيقية للأدمغة كما أشار مارتن ولف ؟ ربما يكون الخوف من العولمة يرجع في المقام الأول إلى محاولة إثبات الذات الوطنية , خاصة لدى الشعوب التي عانت من التدخلات الخارجية لفترات تاريخية طويلة , ربما تكون العلاقة بين الكوني والمحلي هي لب إشكالية العولمة والموقف منها , فالعولمة ليست ظاهرة جديدة تماما إلا في آلياتها المعاصرة والموجهة عن بعد ومن الخارج والاختراق الثقافي ليس أسلوبا حديثا لم تخبره مجتمعات العالم الثالث من قبل إلا في الأساليب العصرية لهذا الاختراق . تتمثل الإشكالية إذاً في العلاقة بين الكونية والخصوصية , وبين العام والخاص في مجال إنتاج القيم الرمزية , ويصبح السؤال الأساسي هو : هل باتت الثقافة تنهل أسباب وجودها وشخصيتها من مصادر فوق وطنية أو خارج المجتمع الوطني ؟ وهل تصبح الثقافات المحلية موحدة على مستوى العالم ؟ هل يمكن أن تكون هناك ثقافة كونية , أم ستظل الثقافات محتفظة باستقلاليتها النسبية إزاء النظام العولمي الجديد ؟ وهل نحن في ركاب العولمة - بإزاء ثقافة كونية مقبولة , أم بإزاء ثقافات يمكن أن تتعايش مع الثقافة المعممة ؟ في محاولة للإجابة على تلك التساؤلات التي تدور معظمها حول عولمة الثقافة وثقافة العولمة اختلف الباحثون فمنهم من يرى في عولمة الثقافة تجردا من الولاء لثقافة ضيقة ومتعصبة إلى ثقافة عالمية واحدة يتساوى فيها الناس والأمم جميعا , تحرراً من التعصب لأيديولوجيا معينة والاتجاه نحو الانفتاح على مختلف الأفكار من دون أي تعصب وتشنج , تحررا من كل صور اللاعقلانية الناتجة عن التحيز المسبق لأمة أو دين أو إيديولوجيا بعينها وتبني عقلانية العلم وحياد الثقافة . ويذهب فريق آخر إلى أن عولمة الثقافة لا تلغي الخصوصية بل تؤكدها حيث إن الثقافة هي المعبرالأصيل عن الخصوصية التاريخية لأمة من الأمم , عن نظرة هذه الأمة إلى الكون والحياة والموت والإنسان ومهامه وقدراته وحدوده ومن ثم فلا بد من وجود ثقافات متعددة ومتنوعة تعمل كل منها بصورة تلقائية او بتدخل إرادي من أهلها , على الحفاظ على كيانها ومقوماتها الخاصة . ومهما كان الموقف من العولمة إلا أن هناك حذر شديد عند التعامل معها ولم تتوقف آثارها عند تكوين مستوى اقتصادي كوكبي بل أدى تشكيل هذا النظام بآلياته المستحدثة إلى نتائج أخطرها ثقافية حيث غيرت من طابع الشخصية القومية . ( حجازي 2001 , ص38 ) . ويمكن رصد أهم تجليات العولمة في المجال الثقافي في التالي : 1- تداخل متعاظم عبر الحدود القومية لشؤون الثقافة السياسية حيث أصبحت العولمة تعبر عن نمط معين من الحياة شاع الاعتقاد بضرورة إتباعه بل وتبنيه كفلسفة ونظرة معينة إلى الحياة والكون . ومن هذه الفلسفة التخلي عما يسمى بالخصوصية . فمسألة الخصوصية هذه نادرا ما تثار بسبب طول عهدنا باكتساح هذا النمط لحياتنا وبسبب هذا الاكتساح وسرعته , وبسبب وجود مصلحة أكيدة لأصحاب الثقافة والمنتجات التي تجري عولمتها في عدم افتضاح خصوصيتها , واستخدامها مختلف وسائل القهر المادي والسياسي والسيكولوجي والعقلي لتصدير ما هو خاص على انه إنساني وعام . 2- تنميط متزايد للسلوك البشري في أتجاه ثقافة معممة او ما يسمى بثقافة الأمركة خاصة في ظل تزايد سرعة النقل والمواصلات واتساع الأسواق , وإزالة الحواجز أمام انتقال المعلومات والأفكار , إن من ينظر إلى ثقافة المجتمعات اليوم يمكنه وصفها بأنها ثقافة الهامبورجر والكوكا كولا السريعة والجيتر . كيف يكون موقفنا لو ادركنا بأن هذا الذي تجري عولمته ليس إلا سلعا وخدمات بعينها , ذات طبيعة وخصائص معينة , أفرزتها ثقافة بعينها , وإنه ليس هناك أي التزام قانوني أو ديني أو خلقي أو فني يجبرنا على قبول هذه السلع والخدمات والثقافة بالذات ....إننا نجد انفسنا كعرب مستهلكين لثقافة غيرنا وتلعب وسائل الإعلام المعاصرة دورا مؤثرا في ذلك , حيث أصبح الإعلان أكثر قدرة على جذب الكثرة من المشاهدين لأن وسائل الإعلام أصبحت في خدمة مروجي السلع . 3- اندماج الثقافة في العملية الاقتصادية – التجارية الجديدة أسوة بغيرها من المنتوجات إذ تحررت من القيود الجمركية , وباتت قابلة للتداول على اوسع نطاق في العالم . وفي هذا المعنى أصبحت الثقافة سلعة شأنها شأن السلع المادية الأخرى ودخلت مجال المنافسة غير المتكافئة , فالدول التي تمتلك تقنية معرفية واتصالية ثقافية اكبر هي القادرة على التسويق في السوق العالمي , ولأن عدم التكافؤ بين الدول مسألة واردة بل واقع لا مفر منه يصبح التثاقف أو التبادل الثقافي بين الشعوب ضرباً من الخيال . 4- عدم مواءمة ما يتم استيراد من النماذج الغربية لطبيعة احتياجات بلدان الجنوب مما يشكل تيارات مناقصة تحاول إحياء السلفية تحت تبرير الخصوصية الثقافية . ولذلك يقرر البعض بأن الهجوم الكاسح للعولمة سوف يؤدي إلى النكوص نحو التثبت بالثقافة والهوية القومية . 5- تشل عولمة الإعلام والاتصال تهديداً للتعددية الثقافية وطمساً للهويات الثقافية للشعوب وقد ساعد على ذلك حالة الثقافة في بعض المجتمعات الأقل تطوراً . فالثقافة العربية تعاني مثلا من ازدواجية نتيجة احتكاكها مع الثقافة الغربية بتقنياتها وعلومها وقيمها الحضارية . بالإضافة إلى التمايز الواضح بين ثقافة النخب وثقافة الجماهير والنتيجة استمرار إعادة متواصلة ومتعاظمة للازدواجية نفسها , ازدواجية التقليدي والعصري , وازدواجية الأصالة والمعاصرة في الثقافة والفكر والسلوك وبرغم تلك الآثار والتحديات التي تواجه الدول الأقل تطوراً من جراء عملية العولمة وتجلياتها الاقتصادية والسياسية والثقافية إلا ان هناك من يؤكد على ان العولمة مع اخطارها تحمل في طياتها العديد من الإمكانيات التي تسهم في إحداث الارتقاء والتطور وبغض النظر عن الزاوية التي ننظر منها للعولمة , فإنه يجب ان تضع العولمة في الإطار الواقعي الصحيح , فالعولمة ما هي إلا واقع لابد من الاعتراف بوجوده , وبالتالي تصبح المشكلة هل نحن قادرون على مواجهة تحديات هذه الظاهرة ؟ هل نستطيع الاندماج في نظام العولمة مع التحوط للمخاطر كما يشير الأمين العام للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ( الاسكوا ) ؟ ومن هو القادر على مواجهة تحديات العولمة ؟ هل يتحول العربي في الزمن المعاصر غلى شخصية كوكبية ؟ وعلى أي مدى يتقبل الهيمنة والاندماج في الكونية المزعومة ماذا يكون مصيره في النظام العالمي الجديد ؟ وهل هناك سبل شرعية لمعارضة النظام العولمي ؟ ولمن يوجه انتقاداته أساساً ؟ وهل بإمكان العربي في الزمن المعاصر تحدي متغيرات عصرية توجهها شركات متعدية الجنسية ؟ وما دور النظام الذي ينتمي إليه أو كان يشعر نحوه بالانتماء والهوية ؟ وربما تكون التساؤلات المثارة هي جزء من تكوين سمات شخصية جديدة تحمل بين طياتها تناقضات ثقافية في ظل المتغيرات عصرية مفروضة على الإنسان العربي في الزمن المعاصر , فالاغتراب والفردية والمادية والاستهلاك الترفي هي سمات سائدة في مجتمعاتنا العربية حيث تحولت الثقافة العربية إلى ثقافة من نوع جديد ربما تقترب من المفهوم الذي قدمه كارل بولاني في كتابه (( التحول الكبير ))بحضارة السوق حيث يصبح كل شئ خاضعا لشروط ونظام السوق حتى روح الإنسان نفسه . إلا أن ذلك مرهون بمدى قدرة الإنسان العربي ككتلة تاريخية متحركة على مواجهة التحدي والمواجهة . ( حجازي 2001 , ص38 – 43 ) . 6- تاثيرات العولمة : إذا سلمنا بان العالم هو قريتنا وبانا النار إذا اشتعلت في بيت فأن جميع السقوف التي تظل روؤسنا سوف تتعرض للخطر مباشرة فإن علينا ان نعلم ان الجهود في هذا السبيل لا تكون فردية أبدا وإنما هي تضامن واتحاد وتحمل لقدر لازم من المسؤولية العامة في إطار التماسك الإنساني القائم على تحقيق الذات والاحترام الكامل لذوات الآخرين . ومجمل القول أن العولمة هي خليط من الإيجابيات والسلبيات تختلف طبيعة النظرة إليها وفقا لطبيعة الناظر ومنظوره لكن الرؤية المحايدة أصدق دائما فإنه يمكننا من هذا المنطلق أن نوجز ما للعولمة من إيجابيات وما عليها من سلبيات . في نقاط محددة : أولا – إيجابيات العولمة : 1- تتيح الحصول على ثروة كبرى في عالم العلومات النافعة والبناءة في مختلف المجالات من خلال تدفق غير مسبوق من المعلومات وبشكل فائق من السهولة واليسر دون ان تحدها حدود ولا تحجزها حواجز إقليمية او سياسية أو عسكري . 2- السرعة في نقل المعلومات من أحد أطراف الكرة الأرضية إلى طرفها الأقصى الآخر بسرعة مذهلة وكفاءة متناهية . 3- فتح قنوات اتصال قوية بين دول العالم تشكل في مجملها امتداداً طبيعياً لانسياب المعارف ويسر تداولها بين أرجاء الأرض باعتبارها قرية واحدة لا فندق كبير . 4- سهولة الاتصال والتواصل بين الدول والأفراد على الصعيد الدولي إنسانياً وسياسياً وثقافياً ......الخ 5- التنافس على توافر التقنيات المتطورة التي تذلل هذا التواصل وهي له أسباب الاستمرار والقوة . 6- تحفيز الدول النامية على المشاركة في شبكات البث الفضائية والكوابل وقبولها التحديات الحاسمة للعصر ومستلزماته وصقل وسائل الإعلام الرسمية ودفعها إلى حلبة المنافسة وتطوير أدائها وموادها الإعلامية والثقافية . 7- تحرير المواطن الفرد من قيود الإعلام الرسمي المحدودة وانفتاحه على موجات الأثير العالمية وتدفقات الإعلام الغربي العالمي , مما يسهم في تنمية معارفه ومدركاته وتطوير وعيه برؤية قراءة التغيرات والتطورات في مختلف مناطق العالم . 8- التنامي الكمي في عدد المعلومات المتاحة وتنوعها الذي يؤدي إلى زيادة الإمكانيات المعرفية للأفراد وتعاظم الفرص في زيادة الأرصدة المعلوماتية . 9- زيادة الكفاءة في اعمال التحري الدقيق والتصنيف والمؤسسات والآليات الخاصة بمعالجة المعلومات نتيجة للتسارع المذهل في الحصول على المعلومات والزيارات المستمرة على صعيد الاتصال عبر المسافات الطويلة مما يحسن من فرص الاتصال بين الثقافات المختلفة ويعمل على زيادة التواصل الثقافي بين الشعوب ويساعد في نمو وتطور الإعلام التفاعلي الذي سيضاعف من الاتصال على المستويات الشعبية في جميع انحاء العالم . 10- تنامي فرص الاتصالات من نقطة إلى نقطة أخرى ومن نقطة غلى مجموعة نقاط فيما يسمى بشبكة المؤتمرات وهذا يساعد فس إجراء الحوار والمناقشة عن بعد , ويقلل التكلفة الاقتصادية للاتصال وتبادل الرسائل ويعزز دور اجهزة الكمبيوتر ويزيد من قدرة وكفاءة العاملين في ميادين جمع وتخزين واسترجاع ومعالجة المعلومات . 11- استمرار انخفاض التكلفة في نقل الأخبار الأمر الذي سيضاعف من انتشار أنظمة الخبار المتطورة في جميع أنحاء العالم وبخاصة في الدول المتقدمة . 12- تطور انظمة الوسائط المتعددة واستعمالها على نطاق واسع في الأشكال المختلفة من الإعلام والتثقيف والترفيه وغيرها . ثانياً – سلبيات العولمة : 1- السيطرة على العالم عن طريق قولبته في قالب الدول الكبرى وتحويله إلى عالم يسوده نظرة أحادية البعد هي سيادة النظرة الأمريكية . تقليص العلاقة الحميمة بين المثقف وبين النخبة المباشرة بعمله وبالحياة من حوله . 2- زيادة الفجوة الاتصالية بين الشمال الغني والجنوب الفقير على مستوى العالم مما أدى تزايد الخلل في التدفق الإعلامي والمعلوماتي من طرف الشمال الغني إلى الجنوب الفقير واستمرار سريان الأنماط المتحيزة في تدفق الأنباء المبتورة والمشوهة عن دول الجنوب . 3- انهيار السيادة القومية للإعلام في ظل انهيار المفاهيم التقليدية حول القومية الحديثة مثل السيادة الإعلامية وظهور تقسيمات جديدة للعالم تقويم على أساس الجغرافية الفضائية . 4- تحول دول الجنوب الفقيرة إلى سوق للاستهلاك الاقتصادي التجاري والإعلامي الثقافي والدليل على ذلك زيادة اعتماد دول الجنوب على البرامج الإخبارية والمسلسلات والإعلانات الغربية وعلى الأخص الأمريكية , هذا فضلاً عما ترتب على تلك الهيمنة الاتصالية التي تمارسها دول المركز المتحكمة في العولمة على دول الأطراف وما قد يحمله تدفق الثقافة المركزية الغربية من معلومات بلا ضوابط حيناً وفي إطار تنافسي تجاري بحت أغلب الأحيان . 5- تحول جزء كبير جداً من الموارد الإعلانية التي كانت تعتمد عليها العديد من المؤسسات الصحفية العملاقة إلى الإعلان في التلفزيون بقنواته المتعددة المركزية والفضائية المشفرة والمفتوحة حيث أتيحت لها فرصة الاستفادة من المزايا العديدة للإعلام المرئي في عصر صموده وانتشاره فضلاً عن دور الصحف الكبرى . 6- تصفية بعض دور الصحف الصغيرة لنشاطها أو لجوئها إلى الأندماج لمواجهة الأزمة المالية المترتبة على تقليص المساحات الإعلانية بها . 7- شيوع نوع من الفوضى الفكرية التي تتسرب إلى أذهان الشباب والعامة نتيجة هذا الكم الغير مقنن من المواد الإعلامية . 8- ظهور القيم النفعية بانتشار الثقافات الفضائية الغربية التي تمارس هذه القيم كجزء من عاداتها الاجتماعية وتقاليدها الوراثية . 9- تحول بعض أمثلة الفساد إلى رموز اجتماعية عامة ذات دلالات واضحة . 10- اهتزاز قدرة السلطات التقليدية في المجتمع مثل " الدولة – الرموز الدينية – التقاليد والعادات – الأب " ....الخ 11- تغريب وعي الشعوب وتخريب شخصيتها الحقيقية وطمس خصائصها الأصلية . 12- فقدان الثقة في الشخصية الأصلية والتقاليد المحلية والبعد عن الدين الذي هو مصدر السلطات . 13- ضعف القدرة على مواجهة الشخصية ( مواجهة الذات ) وبالتالي ضياع الانتماء . 14- رسم العالم بصورة واقعية موحدة لنمط قيمي يعتبره أصحابه قمة ما بلغته حضارة الإنسان ونهاية التاريخ في صناعة أفضل نمط حضاري . 15- تهميش المنظمات المحلية وفرض النموذج العربي في المواثيق العالمية " فالقرارات والوثائق التي تصدرها المؤتمرات الدولية تستقي توجهاتها من قيم العالم العربي وتوجهاته التي تستمد روحها من ثقافتهم فهي تخترق الجدار الوطني لقيم الشعوب وثقافتهم . 16- تهميش الثقافة عموماً وعجز النظام التربوي في المدرسة والبيت عن تعميق القيم واستمرارها . 17- التحول من الاهتمام بالأمور العامة إلى التكالب على الأمور الحياتية وازدياد التكتلات المصلحية على الرغم من تنافي بعضها والقيم والعادات الإسلامية . 18- ازدياد معدلات العنف والجريمة بتأثير الإعلام الغربي وما فيه من سلوكيات العنف والجريمة . 19- انحسار الود الإنساني المتمثل في اللقاء والتكافل بتاثير الحاسوب وغيره واثرهما في العزلة وضعف الصلات الأسرية . 20- ازدياد وتيرة الأنهيار العائلي وكثرة حالات التفكك الأسري والطلاق . 21- الانتشار شبه الوبائي لأمراض العصر كالقلق , الضغط , السكري , المخدرات ( العلي 2002 ص 94 – 98 ) . ثالثاً – معركة القيم : تجعل التقارير الدولية حول التربية المستقبلية من الأخلاقيات والقيم , القضية التي ستدور حولها معركة المستقبل , ويقصد بالقيم في هذا المضمار محاولة استعادة التوازن الكياني للإنسان بعد طول انشطار ما بين مادة الروح . ولقد أسرفت الثورة الصناعية في عقلانيتها وثقافتها , في توطيد صدارة المادة على الروح ولقد أصاب العلوم الإنسانية والمباحث الفلسفية الكثير من هذا التوجه حيث اعتبرت الروحانيات خارج نطاق العلم وبالتالي فلقد تم تهشيمها بل والاستعلاء عليها حيث حشرت في دائرة الغيبيات التي لا تعني العلم وقليلاً ما تعني الفكر , رفعت العقلانية الغربية شأن المادية عالياً وهو ما أدى إلى بروز عالم مادي بلا روح يوجه الاستهلاك ولذائذه ووصل المأزق إلى فقدان المعنى لذلك فأن العودة إلى الأصولية غير العنيفة ما هي سوى ردة فعل لاستعادة التوازن الوجودي . على أن القيم والمعنى والروحانيات جميعها تحتاج إلى إخراجها من مسار الماضي وسلفيته وأسطورته وإدماجها في مشروع مستقبلي تلعب فيه المصالح والحاجات المادية والمنافع دوراً محورياً . فالتحدي الثقافي الأكبر قد يكمن على صعيد التنشئة في التكامل ما بين عالم المعنى والارتباط بقيم التسامي والتجاوز مع عالم المتعة واللذة والمنفعة والمصلحة المهمة المطروحة تتلخص في تجاوز الإنشطار الوجودي ما بين الثقافتين في نقطة تقاطع تكامل بينهما . من ذلك نرى كم يتعين على ثقافة الصورة من جهود لأداء قسطها في التربية القيمة كما نرى في الآن عينه كم يتعين على الثقافة الأصولية من جهود لتجاوز العصبية والتعصب وإلغاء الآخر . من المطلوب أن تعيد كلا من الثقافتين صياغة ذاتها , بل تجاوزها بذلك يمكن إعادة الاعتبار إلى الإنسان . رابعاً – من حروب الهويات إلى الشراكة المستقبلية : هنا أيضا مجال لثقافة جديدة تؤلف ما بين الهوية الوطنية وانفجار الانفتاح العالمي وهنا يتعين على كلتا الثقافتين تجاوز ذاتها لإسهام مشترك . العولمة التي تذهب إلى الغاء الحدود الوطنية ومعها إلغاء الثقافات الوطنية بما هي مرتكز الهوية ستؤدي إلى ضياع وفقدان المرتكزات والجذور الضرورية للتوازن الحيوي العولمة في توجهاتها الراهنة هي بصدد صناعة قلة محظية على حساب تهميش وإتباع الغالبية ولهذا تحتدم حروب الهويات على المشهد العالمي . وتتحول المنظمات والهيئات الدولية إلى حالة طوارئ . مستمرة لأطفاء الحرائق الناتجة عن التنكر للآخر وحقه في الكيان . ثقافة الصورة التي تلغي التاريخ والجغرافيا لا يمكنها الذهاب بعيداً في مشروعها ذلك إنها كما رأينا تفاقم نقيضها المتمثل في العصبيات والانغلاق كما أن الثقافة الأصولية بما تتغذى عليه من مشاعر ضياع وغربة وفقدان للجذور لا تستطيع الذهاب بعيداً بدورها . فالعزلة عن المشهد العالمي لم تعد ممكنة , والانكفاء على الذات لم يعد متاحاً في عهد النظم متزايدة الانفتاح عن رغبة او عن ضرورة . في مقابل الضياع والغربة والانكفاء تبرز الشراكة المستقبلية . يبرز الحس المشترك والإيمان بالمصير والمسار الواحدة وتبرز ثقافة الانفتاح من مواقع الأصالة كما تبرز الحاجة إلى التربية على التواصل الثقافي ضمن إطار التنوع والاختلاف . فلا خلاص ممكناً على المدى الطويل للقلة على حساب الكثرة كما لا أمكانية لذهاب الأحادية الثقافية بعيداً مهما كان لونها ومنحاها . خامساً – الذكاء الجماعي : ويقصد به عموماً استخدام الإمكانيات الهائلة لتكنولوجيا المعلومات والإعلام في تنمية حركة نامية من الوعي الجماعي , ومن المشاركة الجماعية . وهو ما يمد المواطن على الصعيد المحلي , كما على الصعيد العالمي , بوسائل القوة المعرفية كي يتمكن من استيعاب ما يجري حوله , وما يخطط له وما يفرض عليه . وبفضل ذلك تتاح له إمكانية افضل للمواجهة والتصدي للاعتداء على حقوقه وعلى إنسانيته . قواعد المعلومات وذخائرها الهائلة , وتوفرها للملايين هي بصدد كسر الهيمنة على العقول وحصارها . كما أن إمكانية التواصل المباشر على شبكات هذه القواعد تخلق حالة فردية من الوعي العالمي واقتسام الهموم والتضامن في خوض المعارك التي تحفظ حقوق الإنسان وتزيد من فاعلية مشاركته يستوي في ذلك معارك البيئة والتلوث والتسليح ومعارك المخدرات وتدهور القيم , وقبلاً معارك السياسة والمطالبة بالحقوق . هذه الفرص مطلوب الإقبال عليها ومطلوب تعزيزها وتعميمها . إلا أن الحال لا يزال بحاجة إلى جهود كبيرة للوصول إلى مثل هذه الأهداف . فهناك تفاوت كبير في الفرص ما بين الشمال منتج ومستهلك تكنولوجيا المعلومات وقواعدها والجنوب الفقير في إمكانيات الاستفادة منها . أما الخلل الآخر ليس في توفر الشبكات بل في محتويات قواعد المعلومات , فهناك ندرة في تلك المعلومات التي تهم العالم الثالث وقضاياه وهنا أيضاً يقتضي الذكاء الجماعي بما هو المدخل إلى الخلاص الجماعي بذل جهود كبيرة لخلق حالة من توازن مقبول في الفرص . أما البعد الآخر للذكاء الجماعي فينصب على الإعلام الذي كسر العزلة وغطى بشبكاته الكوكب يقتضي الذكاء الجماعي توظيف فرص الإعلام الهائلة وفيض المعلومات التي يوفرها ويبثها لأغراض بناء المستقبل . وهنا يتعين على ثقافة الصورة أن توازن ما بين تبعيتها لاقتصاد السوق وخدمته وما بين القيام بالدور التربوي التوعوي الذي لا يقتصر على الناشئة بل يغطي جميع الشرائح السكانية طالما إنها كلها مستهلكة للمادة الإعلامية . الأعلام يمكنه أن يقدم تربية مستمرة وتكوين حالة من التوعية وإيقاظ الاهتمام والالتزام بقضايا الحياة والمصير لم يعرفها التاريخ قبلاً . تتيح تكنولوجيا الإعلام إطلاق ورشة تنمية كونية على صعيد رفع نوعية الحياة على الكوكب . ( حجازي 1999 , 192- 190 ) . وأن الخيار المصيري الوحيد للعرب هو ذلك الذي يجعل منهم في المستقبل مركزاً للإنتاج الحضاري الفعلي , وليس مجرد سوقاً استهلاكياً , وتكتلاً سياسياً , مستقبلاً يلعب دوراً فاعلاً في السياسة العالمية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق