الاثنين، 4 مايو 2009

المفهوم والمصطلح :لقد استخدمت مفردات متعددة للتعبير عن ( العولمة ) . على أن الكلمة الأكثر شيوعاً واستخداماً في هذا المجال هي Globalization وقد أخذت من كلمة Globe ومعناها : الكرة الأرضية ، الأمر الذي جعل البعض يترجمها إلى (الكونية) . وهناك من استخدم كلمة Mondialization من اللفظة الفرنسية Monde وتقابل بالإنكليزية World Universe . وهناك من استعمل مصطلح ( الشوملة ) وهي من (الشمولية )Totalitarianism . ومن الواضح والجدير بالإشارة معاً أن هذا المصطلح شاع في الوطن العربي وذاع وانتشر في الخطاب السياسي وفي وسائل الإعلام المختلفة ، شأن الكثير من المصطلحات الغربية ـ الأوروبية والأمريكية ـ الأكثر انتشاراً وتأثيراً على مجمل النشاط السياسي العالمي . مثلما شاع مصطلح ( الخصخصة) في السنوات الأخيرة أيضاً وترافق معه . وراح كل متحدث أو كاتب في شأن من الشؤون الاقتصادية يطلقه في معرض الإشارة إلى عملية تحويل مشاريع القطاع العام والمنشآت الاقتصادية التابعة لدولة ما من دول العالم الراهن ، إلى شركات خاصة يديرها أفراد من أبناء هذه الدولة نفسها أو من يشاركهم في إدارتها من خارجها . ويعرّف الدكتور إسماعيل صبري عبد الله العولمة والتي يفضل أن يستخدم مكانها مصطلح الكوكبة على أنها: ( التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو انتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة ودون حاجة إلى إجراءات حكومية) . [2] ولا أعلم لماذا ابتعد الدكتور إسماعيل صبري عبد الله عن المفهوم الدقيق للعولمة ؟ والذي يعني هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي وانتشاره بعمق ، لا بل هيمنة النمط الأمريكي ، سيما وهو يقر بأن الرأسمالية كنمط إنتاج تتغير ملامحها وأساليبها في الاستغلال عبر الزمن. كما انه يربط بين نشأة العولمة وانتشار الشركات متعددة الجنسية . على المستوى الاقتصادي ، تفترض العولمة أن العمليات والمبادلات الاقتصادية تجري على نطاق عالمي ، بعيداً عن سيطرة الدولة القومية . بل : إن الاقتصاد القومي أو الوطني يتحدد بهذه العمليات . وهذا الوضع مغاير تماماً ، لما كان عليه الحال في الإطار السابق ، حين كانت الاقتصادات القومية هي الفاعلة ، أما الاقتصاد العالمي فهو ثمرة تفاعلاتها. [3]" العولمة وفقاً لهذا التحليل ، هي إذن وصول نمط الإنتاج الرأسمالي ، عند منتصف هذا القرن تقريباً إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول ، إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج ذاتها ، أي أن ظاهرة العولمة التي نشهدها هي بداية عولمة الإنتاج والرأسمال الإنتاجي وقوى الإنتاج الرأسمالية ، وبالتالي علاقات الإنتاج الرأسمالية أيضاً ، ونشرها في كل مكان مناسب وملائم خارج مجتمعات المركز الأصلي ودوله . العولمة بهذا المعنى هي رسملة العالم على مستوى العمق بعد أن كانت رسملته على مستوى سطح النمط ومظاهره، قد تمت . بعبارة أخرى ، أن ظاهرة العولمة التي نعيشها الآن هي طليعة نقل دائرة الإنتاج الرأسمالي ـ إلى هذا الحد أو ذاك ـ إلى الأطراف بعد حصرها هذه المدة كليا في مجتمعات المركز ودوله . في الواقع لان عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق بلغت حد الإشباع بوصولها إلى أقصى حدود التوسع الأفقي الممكنة وشمولها مجتمعات الكرة الأرضية كلها ـ باستثناء جيوب هنا وهناك ـ كان لابد لحركية نمط الإنتاج الرأسمالي وديناميكيته من أن تفتح أفقاً جديداً لنفسها وان تتجاوز حدوداً بدت ثابتة سابقاً، عن طريق نقلة نوعية جديدة بدورها تأخذ الآن الشكل المزدوج لعولمة دائرة الإنتاج ذاتها ونثرها في كل مكان مناسب تقريباً على سطح الكرة الأرضية ، من ناحية وإعادة صياغة مجتمعات الأطراف مجدداً ، في عمقها الإنتاجي هذه المرة ، وليس على سطحها التبادلي التجاري الظاهر فقط ، من ناحية ثانية ، أي إعادة صياغتها وتشكيلها على الصورة الملائمة لعمليات التراكم المستحدثة في المركز ذاته ". [4]وإذا كان الفكر الليبرالي الجديد Neoliberal هو الناظم الجوهري " للعولمة " فإن الليبرالية الجديدة تتجه الآن ضد الدولة القومية نفسها ، كأداة ضبط وتنظيم ، أي أداة تدخل ولجم على الصعيد القومي وعلى الصعيد العالمي ، والفكرة المطروحة حالياً إن الرأسمالية تنشط الآن على المستوى الكوني ، مديرة حركة رأس المال ، والخدمات والسلع وبالطبع العمل . [5] وهكذا فإن الاقتصاد المعولم يقع خارج نطاق تحكم الدولة القومية ، مما يزيد في إمكانات الصراع والتنافس ، ويريد من دور الشركات متعددة الجنسية ويحولها إلى شركات فوق قومية Trans – Nation ورأسمال طليق بلا قاعدة وطنية محددة وبإدارة عالمية . ويبدو أن "العولمة " لم تفقد الدولة القومية الكثير من وظائفها كناظم وضابط اقتصادي فحسب، بل إن انتهاء الحرب الباردة ، من جانب ثان ، ساهم مع العولمة في تقليص وظائف الدولة العسكرية ـ الأمنية … إلى حد غير قليل . [6]وقد أشار أحد الباحثين العرب المعروفين بالقول إنه إذا صدرت الدعوة إلى العولمة من بلد أو جماعة فإنها تعني إعمام نمط من الأنماط التي تخص ذلك البلد أو تلك الجماعة وجعله يشمل الجميع : العالم كله ، وإنه طالما صدرت هذه الدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية ، فإن الأمر يتعلق بالدعوة إلى تعميم النموذج الأمريكي ، وفرضه وفسح المجال له ليشمل العالم كله . مما يعني أن العولمة الثقافية التي راحت تصل إلى أي مكان ، كل مكان تقريباً ، على وجه كرتنا الأرضية ، عبر وسائل الإعلام التي تتحكم الولايات المتحدة بمعضمها (خمسة وستين بالمائة من مجموع المادة الإعلامية في العالم) ، ستقود بالنتيجة المتوخاة إلى قطع الصلة شيئاً فشيئاً بين الإنسان ومجتمعه ووطنه ، والقفز فوق الوطن عبر صيغة العولمة هذه، وهذا ما يجب أن يرفضه العرب ، ويجب أن يفعلوا . لقد رفضه المثقفون الأوروبيون قبلهم انطلاقاً من فكرة تقول بتعارض العولمة مع التعددية الحضارية ومع صلة الإنسان بوطنه وضرورة توحد المجتمع الأوروبي ضد العولمة بصيغتها الأمريكية . [7]يقول الأمريكي توم فريدمان: " نحن أمام معارك سياسية وحضارية فظيعة ، العولمة هي الأمركة ، والولايات المتحدة قوة مجنونة ، نحن قوة ثورية خطيرة ، وأولئك الذين يخشوننا على حق . إن صندوق النقد الدولي قطة أليفه بالمقارنة مع العولمة . في الماضي كان الكبير يأكل الصغير ، أما الآن فالسريع يأكل البطيء ". [8]ولكن العولمة بالمفهوم المعاصر ( الأمركة ) ليست مجرد سيطرة وهيمنة والتحكم بالسياسة والاقتصاد فحسب ، ولكنها أبعد من ذلك بكثير، فهي تمتد لتطال ثقافات الشعوب والهوية القومية والوطنية ، وترمي إلى تعميم أنموذج من السلوك وأنماط أو منظومات من القيم وطرائق العيش والتدبير، وهي بالتالي تحمل ثقافة ( غربية أمريكية ) تغزو بها ثقافات مجتمعات أخرى ، ولا يخلو ذلك من توجه استعماري جديد يتركز على احتلال العقل والتفكير وجعله يعمل وفق أهداف الغازي ومصالحه. وأكد ذلك الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حين قال بعد انتهاء حرب الخليج الثانية : " إن القرن القادم سيشهد انتشار القيم الأمريكية وأنماط العيش والسلوك الأمريكي " . [9]ولا مكان للدول النامية عامة والعربية خاصة … في ( العولمة ) إلا في الاتجاه السالب، أي تأثيرها عليها وتأثرها بها. ومع ذلك فنحن بهذا المعنى معولمون منذ زمان بعيد اقتصادياً وثقافياً … وسياسياً في بعض الأحيان . [10]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق