السبت، 16 مايو 2009

نشأة العولمة:لقد تعددت الآراء في تحديد التاريخ الدقيق الذي نشأت فيه ظاهرة العولمة، وكذا مراحل تطورها (الخضيري، 2001م، ص 59-70 وعبد الغني، 1999م، ص 97-98 ويسين، 1998م، ص 30-32). فيربطها البعض بفترة الكشوف الجغرافية في الغرب، التي تم جزء كبير منها في القرن الخامس عشر الميلادي، ويذهب البعض الآخر إلى تحديد تاريخها بالقرن الثامن عشر، حيث شهدت أوروبا في هذا القرن تطورات إنسانية كثيرة. وعلى أية حال، فإن معظم الآراء تتفق على أن مصطلح "العولمة" قد هبَّ على العالم وانتشر انتشاراً واسعاً وسريعاً إثر انتهاء الحرب الباردة واختفاء الاتحاد السوفيتي (الببلاوي، 1999م ص 32-33). ومع أن كلمة "العولمة" لم تنتشر ولم تصبح كما هي عليه اليوم من الرواج إلا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وعلى وجه الخصوص، منذ أواخر الثمانينيات من القرن العشرين، فإن مضمونها بوصفها ظاهرة تهدف إلى أمركة العالم، قد تم التعبير عنه بجلاء في منتصف الستينيات على الأقل، عندما تقدم بعض المنظرين في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1965م، بمبادرة اشتملت على برنامج عمل يضمن للولايات المتحدة الأمريكية الهيمنة على العالم (الجابري، 1997م، ص144). ويربط البعض بين ظهور مصطلح "العولمة" وظهور ما عُرِف بالنظام العالمي الجديد، الذي بدأت بذوره الأولى في منتصف الستينيات من القرن العشرين، ثم بدأت توجهاته تتضح في السبعينيات، وتسارعت خطاه في الثمانينيات، بحيث اتضحت خطوطه العامة وملامحه الرئيسة مع بداية التسعينيات (يسين، 1998م، ص 29، وانظر: الخضيري، 2001م، ص 59-60 وعبد الغني، 1999م، ص 97-102).وتجدر الإشارة إلى صعوبة تحديد الوقت الذي بدأت فيه ظاهرة العولمة تأخذ الصورة التي نراها عليه اليوم. ومع ذلك، يمكننا أن نشير إلى عدد من الأحداث الرئيسة التي شهدها العالم، والتي حملت للبشرية إرهاصات العولمة. ومن بين هذه الأحداث: أول خدمة دولية للتلغراف عبر المحيطات (1866م)، وإدخال التنسيق على مستوى العالم للساعات وفقاً لتوقيت "جرينتش" (1884م)، وظهور أول نظام للاتصالات الهاتفية بين لندن وباريس (1891م)، وإنشاء أول نظام لانتقال الأموال عبر الحدود الدولية في لوكسمبورج (1929م)، وافتتاح أول مطعم "مَكْدُونالْد" (1955م)، وبدء أول اتصالات دولية بالأقمار الصناعية (1962م) وإنشاء أول نظام إلكتروني لأسعار صرف الأوراق المالية (1971م)، وغير ذلك من أحداث مشابهة (عبد البديع، 1999م، ص 94- 95 والخضيري، 2001م، ص62). ومن استعراض هذه الأحداث يتبين لنا أن "العولمة" في مراحلها الأولى، لا ترادف "الأمركة"، ولا نلمس أنها نشأت أو ظهرت تحت تأثير أمة معينة، أو أنها فُرِضَت وفقاً لمشيئة هذا الزعيم السياسي أو ذاك القائد العسكري، بل ندرك أنها تحققت وتطورت بسبب مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، التي تنتمي إلى تراث البشرية بأكملها. وعلى أية حال، وبعيداً عن التتبع التاريخي لظاهرة العولمة، فإنها قد أصبحت، بخيرها وشرها، واقعاً ملموساً، نعيشه ونحياه، ويصعب - إن لم يكن مستحيلاً - الابتعاد عنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق