نحو عولمة جماهيرية في مقابل العولمة الرأسمالية
باحث مصري يرى أن 30 ألف منظمة في العالم عاملة في مجالات البيئة والسلم وحقوق الإنسان تشكل حاجزا أمام الهيمنة الدولية
القاهرة: محمد أبوزيد في كتابه الجديد «الثقافة والعولمة» والصادر عن الهيئة المصرية للكتاب يصف الدكتور فتحي عبدالفتاح ثنائية «العولمة والهوية» بأنها مكملة لثنائيات أخرى كثيرة مثل «التراث والمعاصرة» و«التجديد والتقليد» و«الأنا والآخر»، ويبدأ مؤكدا على ان العولمة ليست شرا في معناها الواسع، لأن العولمة تعني ان نعيش في عالم متداخل ومترابط المصالح، وان المعطيات الجديدة التي تشكلها الثورة العلمية والتقنية تطرح قيما ومفاهيم جديدة في السياسة والاقتصاد والفنون والثقافة عبر الأقمار الفضائية والإنترنت وغيرها.
ويرى د. فتحي عبدالفتاح ان هذا قلل كثيرا من سلطات الدولة المستبدة، ولأن معنى رفض العولمة الخروج من سياق التاريخ واللجوء الى كهف الماضي والتخلف، مشيرا الى ان الهوية الثقافية تتشكل وفقا لظروف الجغرافيا والتاريخ وان كانت لا يمكن ان تتأكد إلا في مناخ الحرية والديمقراطية التي تؤكد احترام جميع الأديان والعقائد والأجناس ويعترف الكاتب بأننا نملك هوية ثقافية بلا شك، لكن الجمود والتحجر وقهر المرأة وقهر الانسان وفرض التسلط هو الذي يقتل هذه الهوية.
وفي مقابل عولمة الرأسمالية يطرح الكتاب فكرة العولمة الجماهيرية والتي يرى انها مازالت في مرحلة التكوين والانتشار وان كانت بدأت في تقديم برامج واقتراحات مثل إلغاء ديون العالم الثالث والمطالبة بتدمير كل أسلحة الدمار الشامل وتقديم الاقتراحات الخاصة باشاعة الديمقراطية في العلاقات الدولية وبتأكيد دور الأمم المتحدة لمحاصرة الهيمنة التي تحاول فرضها الولايات المتحدة.
ويعتقد عبدالفتاح ان المنظمات الجماهيرية والتي يطلق عليها الآن قوى العولمة الشعبية وتضم أكثر من 30 ألف منظمة عالمية تمثل من الناحية السياسية اليسار الجديد بمختلف ألوانه وراياته ومنابعه وهو يسار مركب ويضم الشيوعيين والاشتراكيين، وأحزاب وتجمعات الدفاع عن البيئة «الخضر» وأنصار السلام والأحزاب الليبرالية الراديكالية والاتجاهات الدينية المستنيرة.
ويرجع الكتاب بروز ظاهرة العولمة الجماهيرية الى أنه بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أعادت الكثير من الأحزاب الشيوعية النظر في برامجها وأساليبها السابقة بشكل يجعلها أكثر قدرة وأكثر مواءمة على أن تلعب دورا مؤثرا في الحركة الجماهيرية النامية ضد الهيمنة الاميركية وأشكال العولمة الرأسمالية بل ان بعض هذه الأحزاب اختيرت للحكم في بولندا وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وألبانيا.
وفي حديثه عن أحداث سبتمبر (ايلول) 2001 يقسم عبدالفتاح تداعيات الحادث الى ثلاث مراحل هي مرحلة الصدمة، ثم مرحلة الاندفاع ورد الفعل العفوي المتعجل، ثم مرحلة العلاج.
ويطرح المؤلف سؤالا: لماذا هاجم بن لادن اميركا، ويجيب بأن قتلة الحادي عشر من سبتمبر لم يعلنوا أية مطالب معينة، ووقع القتل لغرض القتل ذاته، ووصف زعيم القاعدة الضربات المباركة التي وقعت بأنها ضربات ضد أميركا من دون أسباب.
ومع ذلك فإن الكتاب يؤكد ان الفكر الاستعماري الغربي تماما مثل الفكر الأصولي المتطرف الشرقي، ينبعان من بئر آسنة واحدة وهو ما يجعله يلجأ الى اثارة النعرات القبلية والدينية والعرقية بين الشعوب لتأكيد سيطرته وسطوته، وهو الدور نفسه الذي تلعبه العولمة بأجهزتها الاقتصادية والدولية الممثلة في منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق التنمية.
ويضيف الكتاب بأن حروب الثقافات والأديان لم تخرج إلا كتبرير للسيادة والهيمنة والمصالح الخاصة والضيقة وذلك في محاولة من الرأسمالية العالمية الجديدة الشرسة والمتوحشة لتجاوز قضايا العدالة الاجتماعية والحديث عن المساواة والديمقراطية في العلاقات الدولية والقضاء على تقسيم العمل الجائر بين الشمال والجنوب.
وفي حديثه عن المعارك الثقافية والفكرية التي دارت في مصر إبان السنوات الخمس الماضية يؤكد د. فتحي عبدالفتاح اننا نتحدث ونناقش الحاضر وعيوننا على الماضي وبدون قدرة على القفز خلف الأسوار لوضع رؤية محددة للمستقبل، بل أن الحاضر ـ في تقديره ـ لم يزل قادرا على سحبنا الى أغواره السحيقة حيث مازلنا نتحدث عن حرية المرأة وأوضاعها، بل وحتى ما ترتديه، وهل هي انسانة لها الحق في أن تعمل وتشارك وتعيش حياتها أم أنها مجرد شيطانة مثيرة للجنس والغرائز، وعلينا أن نخفيها داخل الحجاب ونبحث لها عن كفيل.
وينتقد المؤلف الوضع الثقافي السائد الذي مازال يتحدث عن التراث والتقاليد بمفاهيم رجعية في الوقت الذي يموج فيه العالم بثورة علمية وتقنية غير مسبوقة، مؤكدا ان المثقف العربي المهموم بالبحث عن خطاب عربي ثقافي معاصر يجد نفسه محاصرا بين تيارين خطرين: تيار داخلي أصولي سلفي اكتسب أرضا اجتماعية واسعة في مجتمعاتنا نتيجة لليأس من التغيير والتطور وهو تيار ـ يضيف المؤلف ـ يعمد السفر الى الماضي في تناقض يكاد يكون تاما مع معطيات الواقع ويعتمد على رسائل إرهابية وقمعية يتصور انه يملك الحقيقة المطلقة، وتيار خارجي له امتدادات داخلية يعمل على تعميد هذا التخلف ويقدم المجتمعات العربية كنموذج للمجتمعات المتخلفة الأصولية التي تستوجب العزل والحصار. وفي تصور المؤلف فإن التيارين الداخلي المحلي والخارجي المتسلط يلتقيان حول هدف واحد ومؤكد وهو إجهاض أي محاولة تقريرية حضارية لوضع صيغة خطاب عربي معاصر قادر على التفاعل والتعامل مع معطيات العصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق