الثلاثاء، 31 مارس 2009


هناك الكثير من المسائل الشرعية المرتبطة بالعولمة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو ما أشبه، وما يرتبط بها من قريب أو بعيد، نشير إلى بعضها.
العولمة لابد منها
مسألة: سبق القول بأن العولمة أمر لابد منه، وخاصة في مثل هذا العصر عصر الارتباطات والاتصالات، فيلزم على العلماء والمفكرين، وذوي الكفاءات والثقافات العالية، السعي الحثيث والمثابرة الجادة، لتحقيق عولمة صحيحة وشاملة، تجمع بين النمو والازدهار، والعدل والأخلاق، ولا يكون ذلك إلا في العولمة التي جاء بها القرآن الحكيم، وندب إليها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وآله الأطهار (عليهم السلام)، فإن القرآن الكريم هو الكتاب الكامل الشامل والغض الطري، الصالح لكل زمان ومكان.
قال تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)) [1].
وقال سبحانه: ((وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)) [2].
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «لا ينبغي لحامل القرآن أن يظن أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي، لأنه لو ملك الدنيا بأسرها لكان القرآن أفضل مما ملكه» [3].
ونقل السيد علي بن طاووس في الطرف، عن كتاب الوصية لأبي الضرير عيسى بن المستفاد من أصحاب الكاظم (عليه السلام) عنه عن أبيه (عليه السلام) في حديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال للأنصار أيام وفاته فيما أوصى به إليهم: «كتاب الله وأهل بيتي فإن الكتاب هو القرآن وفيه الحجة والنور والبرهان كلام الله غض جديد طري شاهد وحكم عادل قائد بحلاله وحرامه وأحكامه بصير به قاض به مضموم فيه يقوم غداً فيحاج به أقواماً فتزل أقدامهم عن الصراط» [4].
وعن الإمام الرضا عن أبيه (عليهما السلام): «أن رجلا سأل أبا عبد الله (عليه السلام): ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلا غضاضة؟ فقال: لأن الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان ولناس دون ناس فهو في كل زمان جديد وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة»[5].
عولمة السلم والسلام
مسألة: ينبغي العلم بأن عولمة الإسلام هي عولمة السلم والسلام فهي تعتمد على ثقافة السلم والسلام، والأخلاق والآداب، والتعارف والتوادد، والتواصل والتعاون، والحنان والمحبة، والعدل والإحسان.
قال تعالى: ((وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) [6].
وقال سبحانه: ((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)) [7].
عولمة الفطرة
مسألة: ينبغي معرفة أن الفكر والعقيدة المبتنية عليها العولمة الإسلامية هي العقيدة التي تتلاءم مع فطرة الإنسان، والمنبعثة من الفكر الصحيح القائل بوحدانية الله خالق الإنسان، وبعدله تعالى في خلقه، وببعث الرسل إليهم مع منهاج السماء أولهم آدم (عليه السلام) وخاتمهم رسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله)، وبتعيين أئمة يحفظون منهاج السماء أولهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وآخرهم المهدي (عجل الله تعالى فرجه) الذي وعد الله تطبيق العولمة الإسلامية على يديه، وتعميمه على سطح الكوكب، وبالمعاد في يوم القيامة للحساب والجزاء والفوز بالجنة، أو الخسارة في جهنم والعياذ بالله. قال الله تعالى: ((فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)) [8].
وقال سبحانه: ((آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)) [9].
وقال تعالى: ((إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً)) [10].
وقال سبحانه: ((شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب)) [11].
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): «الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وآخرهم القائم (عجل الله تعالى فرجه) طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي من أنكر واحدا منهم فقد أنكرني»[12].
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا»[13].
وعن أبي جعفر (عليه السلام) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين الثقل الأكبر والثقل الأصغر إن تمسكتم بهما لا تضلوا ولا تبدلوا وإني سألت اللطيف الخبير أن لا يتفرقا حتى يردا علي الحوض فأعطيت ذلك، قالوا وما الثقل الأكبر وما الثقل الأصغر؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله، سبب طرفه بيد الله وسبب طرفه بأيديكم، والثقل الأصغر عترتي وأهل بيتي»[14].
وعن سعد الإسكاف قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول النبي (صلى الله عليه وآله): «إني تارك فيكم الثقلين فتمسكوا بهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): «لا يزال كتاب الله والدليل منا يدل عليه حتى يردا علي الحوض»[15].
نظافة العولمة
مسألة: الإسلام دين طهارة ونظافة وجمال في كل شيء ومنها العولمة، فلاتكون للعولمة الإسلامية سلبيات واستغلال للآخرين وما أشبه من الفساد والإفساد، كما هو الحال في العولمة الغربية.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ثم إن هذا الإسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه، واصطنعه على عينه، وأصفاه خيرة خلقه[16]، وأقام دعائمه على محبته... جعل الله فيه منتهى رضوانه، وذروة دعائمه، وسنام طاعته، فهو عند الله وثيق الأركان، رفيع البنيان، منير البرهان، مضي‏ء النيران عزيز السلطان، مشرف المنار[17]، معوذ المثار[18]، فشرفوه واتبعوه، وأدوا إليه حقه وضعوه مواضعه»[19].
وروي أن النبي إبراهيم (عليه السلام) جمع ولده وأسباطه وقال: «إن الإسلام دين الله الذي تعبدكم به فالزموه ولا تعدلوا عنه ولو نشرتم بالمناشير وقرضتم بالمقاريض وأحرقتم بالنار»[20].
وكان في وصية إبراهيم (عليه السلام): «يا بني عليكم أن تظهروا كل حسنة وجدتم من غيركم وأن تستروا كل سيئة وفاحشة وإياكم أن تشيعوها»[21].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله عز وجل يحب الجمال والتجمل، ويبغض البؤس والتباؤس»[22].
سياسة العولمة
مسألة: ينبغي الالتفات إلى أن السياسة التي تحكمها العولمة الإسلامية هي: سياسة العدل والأخلاق، وسياسة الصدق والأمانة، وسياسة الحرية: حرية الفكر والعقيدة، وحرية القلم والبيان. وبكلمة واحدة: السياسة التي ترى الناس صنفين: أما أخ في الدين، أو نظير في الخلق[23]، والسياسة التي ترى الناس سواسية في الحقوق وفي المزايا وفي كل شيء، وتحرم كل تبعيض وتمييز، وكل كبت واضطهاد، وكل استبداد ودكتاتورية، وكل واستعمار، وكل هيمنة وسيطرة.
قال تعالى: ((بسم الله الرحمن الرحيم، الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان، الشمس والقمر بحسبان، والنجم والشجر يسجدان، والسماء رفعها ووضع الميزان، ألا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان، والأرض وضعها للأنام)) [24].
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى»[25].
وكتب أمير المؤمنين (عليه السلام): «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر جباية خراجها وجهاد عدوها واستصلاح أهلها وعمارة بلادها، أمره بتقوى الله وإيثار طاعته واتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها، وأن ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه فإنه جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره وإعزاز من أعزه، وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات ويزعها عند الجمحات فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله، ثم اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم، وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك، فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت، وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولاتكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاك وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم»[26].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق