الثلاثاء، 31 مارس 2009

الغرب وتآمره على المسلمين

أجل إنه بالإضافة إلى كل تلك المساوئ التي احتوت عليه العولمة الغربية، سواء الاقتصادية أم السياسية أو الثقافية، فقد بقي المستعمرون يحيكون على طول الخط المؤامرات ضد المسلمين مطلقاً، وضد بلادهم ومنطقتهم خصوصاً، ولذلك زرعوا إسرائيل في منطقتهم وفي وسط بلادهم، كبؤرة للفتنة والفساد، ومركز للمؤامرات والمخابرات، وقد صرّح أحد الرؤساء الأمريكيين قائلاً:

إن لأمريكا مصلحة خاصة ليس في إسرائيل فقط، بل في التعاون المشترك بين بلدينا في المنطقة، وأضاف قائلاً: ونحن نتفهم ونؤيد بحزم حاجة إسرائيل إلى الاحتفاظ بالتفوق العسكري النوعي على خصومها العرب، ولذلك ساعدوا إسرائيل مادياً وفنياً في أن تتفوّق عسكرياً على كل المسلمين العرب في المنطقة، فهي تملك قنابل ذريّة ونووية، وصواريخ بعيدة المدى، وأسلحة الدمار الشامل، وغير ذلك مما لم يملكه أحد من المسلمين العرب في الدول المجاورة.

وفي كلام آخر قاله الرئيس الأمريكي: إنّه يلزم إقامة لجنة أمريكية إسرائيلية مشتركة في ميدان التقنيات وصنائع القرن الحادي والعشرين.

ومن الواضح إنّ ذلك يكون على حساب المسلمين.

هذا مضافاً إلى ما تقوم به الولايات المتحدة من مناورات عسكرية مشتركة مع إسرائيل، وما تقدمه من أسلحة متطورة لها، وفنون عسكرية إلى جيشها، وما تمنحها من مليارات الدولارات مساعدة مالية من دون عوض وبلا مقابل، وما تدعمها به من الوقوف إلى جنبها، وتأييد إرهابها وحرب الإبادة الجماعية التي شنّتها ضد الفلسطينيين، وعضدها في سياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها في أراضيهم، واستخدام حقّ الفيتو في صالحها، كل ذلك والمسلمون لازالوا يحتفظون بنزاعاتهم الداخلية، ومصالحة بعضهم مع إسرائيل متناسين قوله تعالى:

((يا أيّها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنّه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين % فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين)) [1].

المرأة في العولمة الغربية

مسألة: العولمة الغربية، حطّت من شأن المرأة، وأسقطت قدرها، وجعلتها جسداً مادياً بحتاً، ودمية شهوانية محضاً، يستغلها أصحاب المتاجر والمعارض، في الإعلانات وفي دور عرض الأزياء، ويستثمرها أصحاب الأغراض والأطماع في مسابقات الجمال، وفي أفلام المسارح والسينما، وغير ذلك مما أنزل الغرب وجعله غير صالح لقيادة العالم في مقابل القيادة الإسلامية الواقعية العادلة.

والإحصاءات العالمية تبين مدى الاستهانة بالمرأة وسوقها إلى مستويات منحطة في ظل العولمة الغربية:

قالوا: إن لندن تعتبر من أكثر المدن الأوروبية التي تتعرض النساء فيها إلى العنف الجنسي الذي تصل نسبته إلى 24 اعتداءً لكل مائة ألف شخص، وهي متقدمة على باريس ونسبتها عشرون، وبرلين ونسبتها 13. 6، وروما ونسبتها 6. 3.

وفي أمريكا تصل إلى أمريكية واحدة من بين سبع أمريكيات قد تعرضت للاغتصاب أو التحرش في إحدى مراحل الحياة.

وإن مجموع الإيطاليات اللواتي تعرضن لعمليات تحرش ومضايقة جنسية يصل إلى تسعة ملايين إيطالية.

وفي خلال الثمانينات عرفت تجارة الجنس في أوروبا تطوراً وانتشاراً خطيراً، حيث أصبحت النساء مواد للتفاوض والاستثمار في صناعة بلا حدود، فقدرت الشرطة عدد بنات الليل في بلجيكا لعام 1980 بأربعة عشر ألف امرأة، ويقدر عدد البغايا في هولندا بعشرين ألف امرأة.

كما تفيد أرقام منظمة الصحة العالمية إلى أن خمسمائة ألف امرأة قد وصلن إلى دول الاتحاد الأوروبي في نهاية 1995م عبر المتاجرة بهن، وقدر المسؤولون الأمريكيون في مؤتمر (بكين 5) عدد تلك النساء اللواتي دخلن إلى الولايات المتحدة بخمسين ألف امرأة[2].

العولمة الغربية وسلبياتها

مسألة: إن من أهم ما يميز نظام العولمة الغربية: تحكيم النظام الاقتصادي الأمريكي الرأسمالي الغربي في العالم، وهذا النظام تحكمه سلبيات كثيرة أهمها كالتالي:

1: يحكم هذا النظام قانون تضخيم الأرباح ولو على حساب أرواح جياع الملايين من الناس.

2: ويحكمه أيضاً نزعة الشركات متعددة الجنسيات، ونزعة الشركات المحلية منها أيضاً.

وهنا وقبل الانتقال إلى المميزات الأخرى لا بأس بالإشارة إلى أنه لا يختلف كلا النظامين: الاشتراكي والرأسمالي، اختلافاً جوهرياً بالنسبة إلى مسألة تحكيم النظام الاقتصادي في العالم ومساوئه، وإن كان هناك اختلاف في بعض المسائل، فإن هذه الأنظمة تفضل المصلحة الشخصية سواء مصلحة الفرد أو الجهة الحاكمة على المصلحة العامة للعمال والمستخدمين وسائر الناس.

لكن يفترق النظام الاقتصادي الإسلامي عن هذين النظامين الاشتراكي والرأسمالي في مسألة عدم الإضرار بالآخرين وعدم المراباة وما أشبه، وهذه من مفاخر النظام الاقتصادي في الإسلام.

3: ويحكم هذا النظام الجديد أو عولمة النظام الأمريكي أيضاً: العلمانية التي لا تخضع للشرائع الإلهية، ولا تلتزم بأحكام دينية، فالدراسات الاقتصادية أو التجارية، وكذلك الإحصائية والاجتماعية هي التي تحكم العولمة الغربية وترسم لها خطوطها العريضة والعامة حتى وان كان فيها ضرر على مجموعات كبيرة من الناس.

وبعبارة أخرى: إن نظريات العلماء وآراء المتخصصين الذين يبحثون على الربح الأكثر من أي طريق حصل، هو الذي يحكم النظام الجديد الغربي، وليس الفقهاء ومراجع الدين والشرائع السماوية.

وكيف كان: فيمكن القول بأن العولمة الغربية لم تأت بشيء جديد، إذ الخطوط العريضة للاقتصاد العالمي الحديث، أو التجارة العالمية الجديدة، واضحة المعالم لدى الاقتصاديين المتخصصين منذ أمد بعيد، غير أنه ومن خلال الصراع الأمريكي مع أقطاب العالم في الآونة الأخيرة الدائر حول عولمة الاقتصاد، تبلور الاقتصاد الجديد أكثر من ذي قبل لدى الكثير من الكتّاب والصحفيين.

مثلاً: صراع أمريكا مع اليابان وذلك حول ميزان المدفوعات، وتصدير السلع، وما أشبه ذلك.

وصراعها مع أمريكا الجنوبية حول محاربة الكوكائين والهيروئين وتجار المخدرات وما أشبه ذلك.

وصراعها مع فرنسا حول الشرق الأوسط وأفريقيا والجزائر وحول الوضع في العراق، وغير ذلك.

وصراعها مع أوروبا حول الاستثمارات والمواد الغذائية وما أشبه ذلك.

وصراعها مع الصين حول التجارة الخارجية، وغير ذلك.

من نتائج العولمة الغربية

مسألة: إن من نتائج العولمة الغربية شيوع المحرمات، من تعاطي الخمرة، والسكر المتزايد، وانتشار أنواع المخدرات انتشاراً هائلاً، وازدياد أعداد المدمنين ازدياداً كبيراً، وكثرة استعمال السلاح، وقتل بعضهم البعض، وتردّي الأخلاق، وهبوط القيم الأخلاقية والمثل الإنسانية، وسقوط كرامة الإنسان، وافتقاد عزه وشخصيته، وتفوق الماديات على القيم والمعنويات في كل الأمور، وهذا يوجب تبديل حياة المجتمع إلى حياة الغاب، وأمنه إلى الخوف، ودعته إلى القلق، وسكونه إلى الاضطراب، وسعادته إلى الشقاء، وجنته إلى الجحيم والنار، وهذا ما نجد مقدماته في مجتمعاتنا، وممهداته في أوساطنا، وآثاره في مناطقنا وبلادنا.

مضافاً إلى ذلك كله، مرافقة هذا الوضع المنذر بالدمار مع القوانين الظالمة والدساتير الجائرة التي أخذت تزداد وتتوسع في البلاد وبين العباد، ومع ما ذكره المحققون من النتائج السيئة للعولمة الغربية، وما هي من الواقع ببعيد، بل هي نتيجة تلك الأمور وآثارها التي تقتضيه القواعد العلمية والتجريبية لها، إذ التوغل في الماديات تسلب راحة الإنسان وتفقده سعادته، فاللازم السعي لنشر ثقافة العولمة الإسلامية التي تجمع بين الماديات والمعنويات، وبين سعادة الدنيا والآخرة، وتبتني على أسس وقواعد فطرية شرعية، مثل قانون ((فَلَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)) [3].

من سيئات العولمة الغربية

مسألة: هناك سيئات للعولمة الغربية ينبغي الالتفات إليها، فإن هناك تحت نظام العولمة الغربية في هذا اليوم، ما يقرب من ثلاثة مليارات ونصف المليار من سكان العالم لا يحصل إلا على 6% فقط من الدخل العالمي، فيما يحصل الملياران ونصف المليار الآخر على 94% من الدخل العالمي، أي: إنّ أغلبية سكان العالم يعيشون بأقل من دولارين في اليوم الواحد، فيما ينعم الأغنياء من سكان أمريكا وكندا وأوروبا الغربية واليابان واستراليا على الدخل الأول، والحياة الأكثر راحةً، كما ذكرت ذلك بعض الجرائد العربية[4].

هذا بالإضافة إلى أنّ ملياراً كاملاً من البشر، لا يحصلون في اليوم الواحد الاّ على دولار أو أقل من دولار، وبعضهم يموتون جوعاً، ففي تقرير رسمي:

إن أربعين ألفاً يموتون يومياً نتيجة الجوع والمرض.

وإن ما يقرب من مليار إنسان يعانون من سوء التغذية.

وإن حوالي مليار ونصف المليار إنسان من دون مياه صالحة للشرب.

وإن مليار إنسان عاطل عن العمل.

وإن ثلاثمائة وخمسين ألف طفل يموت يومياً في أنحاء العالم.

بينما يُقدر ما تسيطر عليه شركات السلاح وأسواق المخدرات من المال مبلغاً قدره 90% من الاقتصاد العالمي.

وهذا التوزيع غير العادل الذي يكون على حساب الآخرين وسلب حقوقهم هو التوزيع الذي يخالفه الإسلام مخالفةً كبيرة، ويحاربه أشد محاربة، حتى إنه ورد في حديث شريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما من أهل قرية يبيت فيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة»[5].

وورد عنه (صلى الله عليه وآله) ايضاً: «ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع»[6].

وعن أبي جعفر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «من أفضل الأعمال عند الله إبراد الكباد الحارة، وإشباع الكباد الجائعة، والذي نفس محمد بيده لايؤمن بي عبد يبيت شبعاناً وأخوه أو قال جاره المسلم جائع»[7].

وعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «ليس بالمؤمن الذي يشبع وجاره إلى جنبه جائع»[8].

وفي كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى عامله عثمان بن حنيف: «أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى، وأكباد حرى، أو أكون كما قال القائل:

وحسبك داءً أن تبيت ببطنة وحولك أكباد تحن إلى القد»[9]

وعن فرات بن أحنف قال: قال علي بن الحسين (عليه السلام): «من بات شبعان وبحضرته مؤمن جائع طاو قال الله عز وجل: يا ملائكتي أشهدكم على هذا العبد أنني أمرته فعصاني وأطاع غيري وكلته إلى عمله وعزتي وجلالي لا غفرت له أبداً»[10].

إلى غير ذلك من الروايات التي تبين حق الجوار وتهدد كل من لا يهتم بالفقراء والجائعين بالعقاب والعذاب.

العولمة الغربية ناقصة

مسألة: العولمة الغربية ناقصة وقد فقدت واقعيتها وتأثيرها المطلوب بسبب ذلك، فهي بالإضافة إلى ما فيها من سوءات وسيئات، لم تستوعب جميع الميادين، ومثلها لا يتمكن من الاستقامة فضلاً عن البقاء والدوام، وذلك لأن العولمة الغربية راحت تهتمّ بناحية الجسد فقط: عيناً واُذناً، ولساناً وأنفاً، ويداً ورجلاً، وبطناً وفرجاً، وتعتني بالقضايا الخيالية والوهمية: من حب الجاه والمقام، والرئاسة والإمارة، وما أشبه ذلك، وتهمل ناحية الروح مطلقاً، فلا مكان فيها للاعتقاد بالله تعالى ورجاء ثوابه، كما لا مكان فيها لليوم الآخر وانتظار حسابه وجزائه، وكذا لا مكان فيها للفضائل الروحية، والمحاسن الخُلقية وما أشبه ذلك من قيم ومُثل.

وعليه: فالعولمة الغربية مولود ناقص، ومن نواقصها أنها تهتمّ فقط بالبلاد الغربية وعلى رأسها أمريكا، ولاتهتم بالعالم الثالث والدول الفقيرة اطلاقاً، بل تسعى للسيطرة عليهم وكسب الأرباح الأكثر عبرهم، ولذا نجد آلاف الناس يموتون جوعاً، وآلاف الناس لا يشبعون من الخبز، وآلاف الناس تطحنهم رحى الحروب، وتقضي على حياتهم حروب الإبادة الجماعية، كحرب الصرب ضد مسلمي البوسنة والهرسك، والروس ضد مسلمي الشيشان، والصهاينة ضد مسلمي فلسطين، والأمريكان ضد مسلمي الأفغان، وغيرها من الحروب التي تلتهم حياة الإنسان المسلم بأسامي مختلفة، والسبب هي: المادية والنفعية التي تبتغيها الدول الغربية على الأغلب، حيث إنهم يصنعون السلاح المدمّر، ويبيعونه بأغلى الأثمان، ويسترجعون به ما دفعوه من ثمن البترول، ويختبرون قدرته الأدائية على رؤوس المسلمين وشعوب العالم الثالث، ويسحقون عبره كرامة الإنسان وحقوقه.

وأمّا المنظمات الدولية: كمنظمة حقوق الإنسان، وهيئة الأمم المتحدة، وما أشبه ذلك، والقوانين التّي قنّنت فيها لمطالبة حقوق الإنسان وحمايته، فهي عادة لا تتجاوز عالم الألفاظ، إذ لا ضمان لها ولا لتطبيقها في عالم الواقع والمجال العملي الخارجي إلا نادراً، مضافاً إلى أنها تراعي عادة مصالح الدول الكبرى لا مصلحة الإنسان بما هو إنسان.

الحدّ من انتقال القوة العاملة

مسألة: من نواقص العولمة المعاصرة بعدما حققت العديد من جوانبها التطبيقية في مختلف المجالات، هو ما يتعلق بانتقال قوة العمل، والايدي العاملة، فإن المراكز الرأسمالية والمؤسسات المالية الدولية التابعة لها، بينما تراها تمارس مختلف أنواع الضغوط لتأمين حرية انتقال السلع والخدمات والرساميل، تراها في نفس الوقت تضع مختلف القيود والعراقيل لمنع انتقال الأيادي العاملة، وصدّ هجرة قوة العمل، من الدول النامية إلى الدول المتقدمة، مع العلم بان القرنين الماضيين: حصلت فيها الهجرة وانتقال الأيدي العاملة بصورة أكثر، وذلك للحرية المتوفرة آنذاك وعدم توفرها اليوم.

و من الواضح: إن هجرة الأوربيين إلى نيوزلندا واستراليا وإلى الأمريكيتين وجنوب أفريقيا، وإلى الكثير من البلدان النامية آنذاك، قد ساهمت في الحيلولة دون حدوث تغييرات اجتماعية كبيرة في الدول الأوروبية الرأسمالية، وذلك بسبب البطالة المتفشية فيها، وانتشار الفقر والأمية والبؤس والمرض في تلك المرحلة مساهمة كبيرة وفاعلة.

والإسلام لم يمنع العامل بل أي شخص من الهجرة والتنقل، والسفر والإقامة في أي بلد شاء، حيث خلق الأرض للإنسان بما هو هو مهما كان لونه وعرقه وقوميته ولسانه، قال تعالى: ((خلق لكم ما في الأرض جميعاً)) [11].

بل قال سبحانه: ((اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)) [12].

وقال تعالى: ((وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)) [13].

وقال سبحانه: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلاَ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [14].

وقال تعالى: ((أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ)) [15].

وقال سبحانه: ((اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) [16].

وقال عزوجل في الهجرة: ((أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا)) [17].

وقال سبحانه: ((وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً)) [18].

تأطير الطاقات المطلقة

مسألة: إننا مع التطور الكبير في العلم، وتقلّص عوامل المسافة والزمن، وضرورة امتلاكنا لمقدراتنا في المجالات الحيوية، وذلك حسب ما يأمر به الإسلام من العولمة الصحيحة، وقد بلغنا درجة لا يمكن معها التغافل أو التهرب من ضرورة إدارة كل ما هو في حيطتنا: من سلامة البيئة، ومن قوة التجارة، ومن نظم أنشطة الإنتاج والاستهلاك، وتأطيرها لصالح الإنسان وكرامته الإنسانية والإسلامية، وقد انطلقت طاقات المعرفة والعلم، وهدرت عجلات التصنيع والفن بمختلف أشكالها، وظهرت الحاجة الملحة لتأطير هذه الطاقات المنطلقة في إطار خدمة الإنسانية كلها وفى خدمة كل الأجيال الموجودة والقادمة، حتى لاتنتصر هذه الطاقات المادية على حساب هزيمة الإنسان والإنسانية نفسها، أو لحساب جيل حاضر على حساب الأجيال الأخرى القادمة مع تمادي الزمن.

ويظهر من ذلك كله أن الحاجة إلى النظرة العالمية ملحّة حتى ونحن نتصرف محلياً، وإن كان البعض يرى هذه المعادلة بالعكس أي: بأن يكون التفكير محلياً والتصرف عالمياً فإن المهم في كلتا الحالتين أن يكون البعد العالمي ماثلاً دائماً أمامنا، بعد أن تشابكت المصالح إلى حد بعيد، وتداخلت تداخلاً لا يمكن فرز بعضها عن بعض، نعم إن هذا الإطار العلمي والنظري للعولمة شيء، والعولمة الغربية التي ظهرت في الساحة وعرفناها حتى الآن على أرض الواقع وفي إطار العمل والتطبيق هي شيء آخر، فقد هيمنت الأسواق على عملية العولمة، وصادرت منافعها وخيراتها، مما أدى إلى أن تحتكر شعوب قليلة معيّنة وأقطار متعددة بعينها، فوائد العولمة ونتائجها الإيجابية، وتترك سلبياتها وأضرارها لشعوب كثيرة وأقطار أخرى تشكل غالبية الأقطار في العالم.

جوانب من العولمة

مسألة: لقد ظهر مما سبق أن العولمة هي اتجاه متفاقم نحو تخطي الحدود وتجاوزها.

وبعبارة أخرى العولمة تعني: التعامل دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية، أو بدولة معينة، أو الانتماء إلى وطن محدد، أو إلى جهة خاصة، ودون حاجة لإجراءات حكومية، أو تحريات قضائية.

ويظهر ذلك بشكل واضح في الشركات متعددة الجنسيات، وفى انتقال رأس المال الذي يبرز جلياً عبر استخدام تذاكر الائتمان، وامتلاك الأرباح من غير خسائر.

وللعولمة كما يقال جوانب ثلاثة كالتالي:

أولها: جانب مادي جاء نتيجة التقدم العلمي، والتطور الصناعي المدهش، وما ترتب عليه من تغيير كبير في وسائل النشر والإعلام، والاتصال والارتباط، والأطباق اللاقطة والمحطات الفضائية، التي تبث برامجها لكل أنحاء الكرة الأرضية، ولكل البشر على هذه الكرة الترابية، دون أن تحدها حدود، أو تحجّمها قيود، وهكذا في ثورة المعلوماتية المدهشة التي تجسدها شبكة الانترنيت في كل زوايا الأرض.

ومن المعلوم: أن هذا الجانب من العولمة ليس مطروحاً للجدل والمناقشة، ولا للقبول أو الرفض، إذ هو واقع خارجي وقد أصبح أحد ظواهر العصر الذي نعيشه، ولكن علينا أن نعرف كيف نتعامل معه، لاستيعاب الوضع ولنكون أكثر تأثيراً في عالمنا المعاصر الذي نعيش فيه، وعلينا أن نعرّف شعوبنا النافع منه والضار تفادياً لأخطارها وتجنباً من مساوئها.

ثانيها: جانب قيمي جاء نتيجة الظاهرة التنافسية لنمط الإنتاج الرأسمالي، الذي فرضه اقتصاد السوق على العالم، وعزّزه باتفاقية التجارة العالمية: الغات المعروفة.

ولا يخفى أن هذا الجانب من العولمة يثير وبشدّة كثيراً من المخاوف والشكوك، وخاصة بعد أن جاءت جولة أورجواي وبكل قوة لتكون ضربة قاضية للدول النامية، حيث إن الدول الصناعية الكبرى قد فرضت وبعنف شروطها المجحفة والقاسية لتحرّر التجارة لصالحها وانتقال رؤوس الأموال.

ثالثها: جانب إعلامي وجاء نتيجة الطابع التوسعي لسياسة الغرب، فإنها سعياً لنشر هيمنتها على الدول النامية، وقبضتها على الأسواق العالمية تقوم الدول الغربية بالإعلام لصالح العولمة والإعلان عن محسّنات مختلقة لها، بينما واقع العولمة الغربية هو واقع الهيمنة وحقيقتها هي حقيقة السلطة والسيطرة، علماً بأن العولمة التي تكون في صالح الإنسانية من جميع الجهات هي عولمة الإسلام فحسب.

هذا ولا يخفى أن الجانب القيمي الذي جاء نتيجة الظاهرة التنافسية لنمط الإنتاج الرأسمالي من العولمة هو الذي يجعل من العولمة مسألة خلافية متنازع فيها، وهو الذي يستدعي توضيح وبيان أكثر للعولمة في أبعادها في حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والمدنية والثقافية.

العولمة وموقف المجتمعات منها

مسألة: إن موقف المجتمعات من العولمة موقف مختلف وغير متحد، فإن هناك معركة كبرى تدور في المجتمعات حول العولمة سياسية واقتصادية، وثقافية وفكرية، وغير ذلك.

أجل إن كل جديد يتحقق في العالم الخارجي، تنقسم المجتمعات البشرية في موقفهم تجاهه إلى أقسام تالية:

فإن هناك من المجتمعات ما ترفض كل جديد ـ ومنها: العولمة ـ رفضاً تاماً، وهي مجتمعات تقف ضد التيار، وعكس مسار التاريخ، ولكنها تنكفئ وتذوب عادة ولا يكتب لها النجاح.

وإن هناك مجتمعات على العكس منها، وهي مجتمعات استسلامية تقبل كل جديد ومنها العولمة من دون قيد وشرط، معتبرة أن العولمة هي لغة العصر القادم، ولا محيص منها، متغافلة عن السلبيات الخطيرة التي تتواجد في بعض جوانب العولمة.

وإن هناك مجتمعات وسط بين الاتجاهين، وهي مجتمعات واعية تحاول فهم القوانين والمعادلات الحاكمة للعولمة، وتعترف أولاً وقبل كل شيء بأن العولمة حدث تاريخي خارجي، وتدرك مع ذلك بأنه من غير الصحيح أن تستسلم لكل ما جاءت به العولمة من المفاهيم والقيم التي تقوم عليها في الوقت الحاضر، والتي تهدف في الواقع إلى استرجاع نظام الهيمنة الاستبدادية القديم، وعرضها بأزياء وصور حديثة وجديدة.

وهذه الاتجاهات الثلاثة ظهرت على الساحة في كل من بلاد أوروبا وفرنسا بصورة عامة، وبدت واضحة وبصورة خاصة من موقف الحزب الاشتراكي الفرنسي الرافض للعولمة وذلك بحسب بيانه الرسمي الصادر قبل عدة أعوام، وقد كان البيان الصادر تحت عنوان: (العولمة وأوروبا وفرنسا) وهذا البيان يتضمن أعنف نقد، وأقسى لوم على العولمة الغربية الأمريكية.

مضافاً إلى كل ذلك فقد بدأت حركات فكرية جديدة تتصاعد داخل أمريكا نفسها ضد العولمة، وهذه الحركات لم تكتف بالنقد التفصيلي للعولمة وجوانبها الاقتصادية والسياسية، والفكرية والثقافية، بل أنها ذهبت إلى أبعد من ذلك، إنها تحاول إراءة بديل للعولمة الأمريكية والترويج له.

هذا وقد تعرض لبيان هذه الحركات الفكرية ونشاطاتها في أمريكا، عدة كتب انتشرت في الأسواق تحتوي على عشرات البحوث التحقيقية والدراسات المسهبة والمعمقة في هذا الموضوع[19].

العولمة وحقوق الإنسان الثقافية

مسألة: إن حقوق الإنسان الثقافية، بالنسبة إلى آثار العولمة وتأثيراتها عليها تكون أكثر تعقيداً وأكبر تصعيداً من المجالات الأخرى، فإن الجدل في هذه أي: في حقوق الإنسان الثقافية وآثار العولمة عليها، قائم على أشد مما هو في غيرها، فالقيم المتجذرة في نفس المجتمعات والمثل المترسخة في ضمير الشعوب هي التي تشكل رؤيتها وتحدد نظرتها للعالم، وهذا هو ما يتنافى مع آثار العولمة وأهدافها، ومن هنا تأتي أهمية الثقافة بالنسبة لقضية العولمة.

هذا ولا يخفى أن المعاهدات الدولية تؤكد على أن للإنسان الحق في التمسك بثقافته الخاصة، والتكلم بلغته الخاصة، والتجاهر بدينه الخاص، والإعلان عن مذهبه الخاص، يعني: أن تكون له خصوصيته الثقافية، وهي تستدعي التباين مع الخصوصيات الثقافية الأخرى، بسبب اختلاف اللغة، أو الدين، أو المذهب، أو السلالة، أو ما أشبه، وذلك في إطار الثقافة والفكر، وعلى مستوى الوطن والمنطقة، والتمدن والحضارة، وغير ذلك، مع أن العولمة تريد تعميم ثقافة واحدة على كل أهل المعمورة، وهذا مما يثير الخوف والقلق لدى الكثير، لما يرون في ذلك من تهديد للخصوصية، وخاصة من الذين يملكون إمكانيات كبيرة في الأمور الثقافية ويستطيعون عبرها تعميم ثقافتهم على العالم.

هيمنة الثقافة الأمريكية

مسألة: مما يلزم الانتباه له أن الغرب يسعى في نشر ثقافته عبر العولمة، فمثلاً عُرفت أمريكا بتفوقها على بقية الدول في نسبة ما تصدّره من مواد ثقافية فكرية، وترفيهية تنشيطية، من نشرات وكتب، ومسرحيات وأفلام، وبرامج راديو وتلفزيون، إلى حد أن صادراتها من هذه المواد تسبق جميع صادراتها بالنسبة إلى المجالات الأخرى، فقد ربح فيلم واحد من أفلامها مبلغاً قدره على ما قيل: أكثر من بليون دولار أمريكي، وهذا ما يدفع أمريكا أن تتعامل وبإصرار بالغ، مع السلع الثقافية معاملة تختلف عن بقية السلع الأخرى، يعني: إنها تعفيها من فرض أية قيود تمييزية عليها.

وهذا تماماً بالعكس من فرنسا ودول أخرى كفرنسا، فإنها تملك إمكانيات لا بأس بها في مجال الإعلام الثقافي والفكري، لكنها أضعف من إمكانيات أمريكا وعلى اثر ذلك أصبحت تلك الدول تعتبر العولمة الثقافية خطراً كبيراً يهدد هويتها الثقافية وينذرها بالذوبان والنسيان.

أما مشكلة العولمة الثقافية بالنسبة إلى العالم الثالث، فإنها أشد خطراً عليها من غيرها، إذ لأمريكا وكذلك للدول الصناعية الكبرى، من الإمكانيات والقدرات الثقافية ما لم يكن لدى العالم الثالث شيء منها، وهي ما جعلت دول العالم الثالث سريعة الانفعال وفى وضع المستسلم لها.

إحصائيات وأرقام:

لقد ذكرت بعض المنظمات الدولية، إحصائيات في مجال البرامج الثقافية وسيطرتها على الأسواق المحلية لبلدان العالم الثالث، فقالوا:

إن مصر تستورد لبرامج شبكاتها التلفزيونية: ثلث إجمالي البث.

إن تونس والجزائر تستورد نصف هذا الإجمالي المذكور من بثها التلفزيوني.

وان لبنان تستورد من البرامج الأجنبية ما يزيد على ذلك، حيث تتراوح نسبة ما تبثه في تلفزيونها بين 60% إلى 96% من مجموع البرامج الثقافية والفكرية فيها.

وإذا أحصينا ما يقارب من 300 شركة إعلامية هي الأولى في العالم، نجد بينها 144 شركة أمريكية و80 أوروبية و49 يابانية، ومن الشركات 75 الأولى في مجال نقل المعلومات إلى الجمهور هناك 39 شركة أمريكية و25 أوروبية غربية و8 يابانية، وفي قطاع الخدمات المعلوماتية والاتصالات بعيدة المدى ومن بين الشركات 88 الأولى نجد 39 أمريكية و19 أوروبية غربية و7 يابانية، وفي قطاع التجهيزات ومن 158 شركة هناك 75 شركة أمريكية و36 أوروبية غربية و23 يابانية، ويوجد الباقي في استراليا وكندا وما أشبه.

ومن المعلوم: إن هذه التبعية الثقافية والإعلامية تثير مخاوف الكثيرين في منطقتنا، وذلك لأنهم يرونها تهدد هويتهم الثقافية التي هي حق محترم من حقوق الإنسان، وهو كذلك، والخوف منها في محله، ولابد من العمل على تفادي أخطارها.

والذي يزيد من هذه المخاوف هو: ظهور عدة نظريات غربية متسرّعة في أعقاب سقوط حائط برلين في ألمانيا، تؤكد تلك النظريات على انتشار الليبرالية الجديدة، وتفشّي الحضارة الغربية، وتطالب بوجوب تعميمها لتشمل العالم أجمع، وتغطي على كل الحضارات الموجودة فيها جمعاء.

وهذه النظريات وأشباهها، وإن لم تستند إلى تحليل موضوعي لكيفية النزاعات التي سوف تحدث تباعاً في القرن الجديد، إلاّ أنها أثارت في أوساط العالم الثالث وبين المسلمين خاصة الكثير من المخاوف، لأنها صدرت عن جهات معتمدة وذات نفوذ داخل الغرب، تعكس ما تنطوي عليه سياسة الهيمنة الاستعمارية من نوايا سيئة، ومن عداء شديد للإسلام والمسلمين بل للبشرية والإنسانية أجمعين.

التناقض بين القول والفعل

مسألة: إن هناك مشكلة واقعية حقيقية، باتت تواجه الانفتاح السياسي واحترام حقوق الإنسان في عصر العولمة وهي: أنّ النظام الدولي القائم حالياً ليس نظاماً منفتحاً خالياً من الاستبداد، إذ توجد فيه دولة عظمى واحدة ولم يكن في مقابلها دول عظمى أخرى، ومن الواضح أن الدولة العظمى تسعى سعياً لأن تفرض قوانينها ونمط استهلاكها وثقافتها على العالم أجمع، وهذا يوجب اختلال المعادلات الأخلاقية، وسيادة المعايير المزدوجة والانتقائية في مواجهة قضايا حقوق الإنسان، وتفاقم المشاكل الإنسانية القائمة في بلدان العالم الثالث والإسلامية بصورة خاصة على قدم وساق.

ومن هنا ترى أمريكا لم تحسن استخدام حق التدخل في مواجهة الانتهاكات المحلية لحقوق الإنسان، ولم ترفق في مسلكها كدولة عظمى، ففي نفس الوقت الذي تصب أطنان المتفجرات على شعب أعزل، تراها تستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن أكثر من مائة وخمسين مرة حتى الآن لحماية إسرائيل من أي قرار يدينها ويندّد بها، أو يوقع عليها عقوبة عارمة، نتيجة أعمالها الوحشية ومذابحها ضد الشعب الفلسطيني المسلم، من دير ياسين إلى مذبحة قانا، ومروراً بتهجير شعب فلسطين، وحرق قراه، واستمراراً باحتلال الأراضي الإسلامية، وانتهاءً بالتهديدات القاسية التي تفضح سياسة اليهود العنصرية، مثل: التهديد بقتل الأطفال وحرق التراب اللبناني بعد سرقة قسماً منه.

ولقد ظهرت نفس المشكلات الآنفة أي: مشكلة اختلال المعادلات الأخلاقية، ومعضلة الانتقائية والمعايير المزدوجة أيضاً في كل من البوسنة والصومال وبورندي والشيشان وأماكن أخرى كثيرة من العالم كأفغانستان وما شابهها.

ومن الواضح أن هذه المشاكل لم تكن في العولمة الإسلامية المبتنية على العدل والإنصاف، والقيم والأخلاق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق