الثلاثاء، 31 مارس 2009


جذور العولمة الغربية
ظهرت الليبرالية الجديدة ـ على ما يبدو من دراسة جذور العولمة الغربية ـ بعد انتهاء الحرب الباردة وبعد سقوط الشيوعية، وتفكك الاشتراكية، وتفسخ اليمين التقليدي، وكان ظهورها بلباس الاقتصاد الرأسمالي، وبثوب العولمة، لتغزو كل الدول، وتدعو إلى حرية انتقال رأس المال، وإلغاء الحواجز الجمركية، والإطاحة بالأنظمة، لتعزيز حرية المبادلات التجارية، بحيث أنتج نوعاً من التباعد بين النشاط المالي والنشاط الاقتصادي، فمن أصل رأس مال قدره ألف وخمسمائة مليار دولار، تدور في دوّامة العمليات اليومية على الصعيد العالمي، نرى أن هناك واحداً بالمائة فقط يخصص للبحث عن ثروات جديدة، بينما يدوّر الباقي في إطار المضاربات.
ومعه تمّ تحوّل النظام الرأسمالي إلى نظام عالمي بقيادة أمريكا، والسبب في ذلك هو أنّ هذه القيادة هي واسعة ثروةً، وديمقراطية نظاماً ولو بنسبة، ووسيعة أرضاً، وكثيرة شعباً، وهي مع كل ذلك بصدد التقدم على منافسيها والهيمنة عليهم، وإلا فسعة الصين أو الهند أكثر من أمريكا، لكنهم ليسوا بصدد القيادة فعلاً.
وقد ابتدأت أمريكا باتجاه فرض هيمنتها على العالم مع تعاظم القوة الاقتصادية للشركات المتعددة القوميات، والتي مثّلت سلطة هذه العولمة دون أن تعلن عن هويّتها أو ولائاتها، وهذه الشركات غير خاضعة لمسؤولية معيّنة، لأنها لاتمثل السلطة الرسمية لأيّة أمة من الاُمم، ولا دولة من الدول.
وبمناسبة اجتماع وزراء أعضاء منظمة التجارة الدولية في سياتل عام 2000، أخبرت الإذاعات وعكست الأقمار الصناعية، لقطات وصور من مظاهرات صاخبة جدّاً مؤلفة من مختلف طبقات الناس، وخاصة الطبقة العاملة والمزارعة، وجماعات من المثقفين من أصحاب الفكر الاقتصادي والنقابي، والاجتماعي والحقوقي، وقد خرجت هذه الجموع تندد بالمجتمعين واجتماعهم الذي عقدوه لمدارسة الصيغة العالمية للاقتصاد العالمي، مما يدل على سخط الجماهير منها، ونقمتهم عليها وعلى العولمة الغربية الجديدة وأسلوبها الظالم.
وقد استطاع المتظاهرون رغم الحواجز الأمنية وبعد المواجهات العنيفة بينهم وبين الشرطة من احتجاز الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في الفندق لمدة أربع ساعات ونصف، وشلّ أعمال التجمع لليوم الأول، وبعد أن أوصل بيل كلينتون نفسه إلى المؤتمر أشار في خطابه إلى أنه على الدول أن تأخذ بعين الاعتبار الشعارات التي نادى بها المتظاهرون، والتي سمعها هو مباشرة خلال احتجازه في الفندق والتي كان منها ما يلي:
الرأسمالية وحش قاتل.
الرأسمالية دولة الأثرياء.
نريد معلوماتية تخدم الإنسان.
نطالب بقيم الإنسان وليس بقيم ملاّك الشركات والمؤسسات الكبرى.
لا نريد عولمة لجمع الثروة فقط.
لا نريد حريات اقتصادية تسحق حق العيش الكريم.
الإنسان بلا ضمانات يأكله وحش المال.
النظام الرأسمالي يدفع المواطنين إلى الانتحار.
إلى غير ذلك.
وهكذا في ملبورن باستراليا حيث قامت مظاهرة معادية للعولمة، وقد شارك فيها آلاف الأشخاص وأدت إلى فوضى عارمة لدى افتتاح (قمة آسيا المحيط الهادئ للمنتدى الاقتصادي العالمي) ورُددت شعارات ضد العولمة، كان
منها:
لا للرأسمالية.
لا للمنفعة الفردية مقابل المجتمع.
العولمة وحش قاتل.
العولمة قانون الأقوى.
نريد سياسة لا تتأثر بالمال.
ناهضوا العولمة قبل أن يملكنا رجال الأعمال والمال.
إلى غير ذلك.
وفي بيان وقعته 1200 منظمة من 87 دولة جاء فيه: «إن منظمة التجارة العالمية في السنوات الخمس الأخيرة قد أسهمت بدور بارز في تركيز الثروة في أيدي أقلية من الأثرياء جنباً إلى جنب، مع زيادة تفشي الفقر لأغلبية سكان الأرض... إن الاتفاقات التي أبرمت في دور الاورجواي للتجارة قد استهدفت فتح أسواق جديدة لصالح المؤسسات متعددة الجنسيات، وعلى حساب الاقتصاد الوطني والعاملين والزارعين والعدد من الفئات الأخرى والبيئة».
العولمة الغربية، عواملها وأهدافها
وهاهنا بعض الأسئلة ينبغي الجواب عليها:
1: ما هي أسباب وعوامل بروز ظاهرة العولمة الغربية في العصر الحاضر؟
2: هل هذه العولمة تؤدي إلى انهيار نظام الدولة ذات الحدود المستقلة أو ترجع إلى تشديده والتأكيد عليه؟
3: هل في العولمة ما يضمن زيادة التجانس والتوافق أو تعمل على تعميق الفوارق والاختلافات؟
4: هل العولمة تهدف إلى توحيد العالم، أو تسعى لتثبيت الأنظمة المجتمعية عن طريق الحدود الجغرافية المصطنعة؟
5: هل إن مصادر العولمة مصادر رئيسية واحدة، أو تتشعب من مصادر متنوعة ومتداخلة؟
6: هل إن العولمة تنبعث من عوامل اقتصادية وإبداعات تقنية أو أنها تنبعث من خلال الأزمة الايكولوجية؟
7: هل إن العولمة تجمع كل هذه العوامل الآنفة، أو أنه يوجد هناك عوامل وأبعاد أخرى منفلتة عنها؟
8: هل إن العولمة تستبد بثقافة واحدة عامة، أو تسمح بوجود ثقافات متعددة، محلية وقومية متنوعة؟
9: هل إن العولمة تحوّل بارز، وتطوّر ظاهر، يجمع بين العام والخاص، وبين المحلي والخارجي، وبين المغلق والمفتوح على المدى الطويل والبعيد، أو إنها الغاز غامضة؟
10: هل إن العولمة جاءت لزيادة الفجوة بين الفقراء والأغنياء على جميع المستويات؟ أو إنّها جاءت لسد الفجوة الموجودة بينهما؟
11: هل إن العولمة تستدعي وجود حكومة عالمية أو تكتفي بالحكومات المحلية؟
12: وأخيراً هل إن العولمة تسعى لتوحيد الأفكار والثقافات، أو إنها تشجع الأفكار والثقافات الموجودة وتقوّي التمسك بها؟
نعم، قد تتبادر هذه الأسئلة وأكثر منها إلى ذهن الإنسان عندما يسمع كلمة (العولمة) ويبحث عنها.
ولعل الجواب إجمالاً هو:
إن أهم عوامل ظهور العولمة بالمعنى المعاصر انفراد الكتلة الغربية في الساحة العالمية، وتطلب النظام الاقتصادي الرأسمالي التدويل والتعولم، كما إن أهم أهداف العولمة المعاصرة هو: سيادة النظام الغربي، وهيمنة الأفكار الغربية وثقافتها، إذ أن جوهر عملية العولمة يتمثل وبصورة خاصة في تسهيل حركة الناس، وفي انتقال كل واحد من المعلومات والسلع والخدمات على النطاق العالمي.
ثم إن كلاً من الحركة والانتقالات التي تنتشر عبر الحدود يشمل ستة أمور رئيسية وهي كالتالي:
1: رأس المال
2: البضائع
3: الأفكار
4: الأفراد
5: الخدمات
6: المعلومات والمؤسسات الاقتصادية
وبالتالي تتجلى العولمة الغربية في مجالين بوضوح أكثر منه مما في المجالات الأخرى، وهما:
المجال الاقتصادي.
والمجال السياسي.
ولكن العولمة الصحيحة وهي عولمة الإسلام، فإنها تضمن جميع الحريات المشروعة وتأخذ بأيدي الناس إلى سعادة الدنيا والآخرة.
العولمة السياسية الغربية
مسألة: إن النظام الرأسمالي الذي يحكمه قانون تعظيم الأرباح الخاصة وتضخيمها، يهدف إلى التوسع، والتوسع لا يتم إلاّ عبر استثمار أرباحه والحصول على قروض من أسواق الرساميل، وعليه: فإذا لم يتوسع يتعرض للركود والكساد والأزمات الدورية، وذلك واضح، ويزيده وضوحاً الأمثلة التاريخية على هذه الأزمات، فإنها كثيرة ومعروفة لدى أهل الخبرة والفن.
ثم إن التوسع يؤدي بطبيعته إلى بروز المنشآت الاقتصادية الكبرى عن طريق تمركز رأس المال، ولعل من أهم الأسباب في تحقيق ذلك، هي عمليات الدمج بين المنشآت الكبرى، أو استيلاء منشأة كبرى واحدة، على منشآت متعددة أصغر منها، وذلك عن طريق البيع والشراء أو غير ذلك من طرق النقل والانتقال.
ثم إنّه في عملية التوسع هذه قد تتراكم فوائض مالية جمة، لا يجد أصحابها أحياناً مجالات مربحة في استثمارات حقيقية حتى يقوموا بها وتؤدي إلى زيادة الإنتاج والتجارة، ولذلك يقوم أصحاب هذه الفوائض الجمة بفتح مجالات مربحة في المضاربة ضمن إطار الدولة الواحدة.
مضافاً إلى أن أصحاب هذه الفوائض الجمة يبعثون على الضغط بالنسبة إلى الدول والحكومات لتأمين حرية انتقال الفائض من دولة إلى دولة بواسطة رفع القيود عن حركة الرساميل، وبديهي أن يكون حينئذ أهم سمة للنظام الرأسمالي العالمي المعاصر هو ما يسمى بالعولمة المالية المتحققة عبر العولمة السياسية الغربية فإن العزة الاقتصادية تدعو للعزة السياسية وتبشر بها.
نعم إن النظام الاقتصادي الراهن، المعزز بالهيمنة السياسية للغرب، يُمثّل مرحلة جديدة من مراحل التطور السريع للسياسة المالية، ويجسّد صفحة حديثة من صفحات الاقتصاد الرأسمالي العالمي وقد تسمى هذه الصفحة وهذه المرحلة باسم: (العولمة) وهو قد يتسم بخصائص عديدة أهمها:
1: ازدياد دور الشركات متعددة الجنسيات في الاقتصاد العالمي بعد سقوط نظام بيريتون، وودز.
2: ازدياد أهمية مؤسسات العولمة الثلاث التي هي عبارة عن: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمنظمة العالمية للتجارة.
3: تعريف مراكز القوى الاقتصادية العالمية للتغيير الأكيد المتدرج.
4: تحويل هيكلية الاقتصاد العالمي وتبديل سياسات التنمية العالمية وتغييرها.
5: تقهقر أهمية مصادر الطاقة التقليدية والمواد الأولية في السوق العالمية وتراجعها.
وبالتالي انطباع كل هذه البنود الاقتصادية المذكورة وغيرها مما لم نتعرض لها للاختصار ومخافة التطويل بالصبغة السياسية وتحكم العولمة السياسية بها، وهيمنتها عليها[1].
وهذا من أسباب بروز العولمة السياسية الغربية.
العولمة الاقتصادية الغربية
مسألة: التدويل الذي أصبح الاقتصاد العالمي يتصف به حسب رأي بعض الاقتصاديين هو من أهم سمات الاقتصاد ظهوراً في العقود الثلاثة الأخيرة.
والتدويل بالنظر البدوي هو ظهور متعاظم لما للعلاقات الاقتصادية الدولية من دور هام بالنسبة إلى الأنشطة الاقتصادية المحلية أو الوطنية، ويظهر هذا واضحاً من خلال الدور الكبير الذي تتبنّاه الشركات المتعددة الجنسيات، الممتدة نشاطاتها وفروعها في كل مكان وإلى مختلف أنحاء العالم، كما إنّها تهيمن وتسيطر على جزء مهم وكبير من عمليات الإنتاج والتمويل وتوزيع الدخل العالمي.
ثم إن هذا الدور مضافاً إلى أنه في الغالب ظاهر بارز، إلا أنه قد يكون أحياناً خفياً غير مباشر، ومستوراً غير ظاهر، مما يجعلنا نتمكن من الحديث عن مستوى اقتصادي عالمي، متميز بآلياته ومشكلاته، ومتشخص بتقلّبه وتطوره على المستويات المحلية والوطنية، وعندها تصبح النظرة للعالم باعتباره الوحدة الاقتصادية الأساسية والمحور للتطورات المستمرة.
وهذا من أسباب بروز العولمة الاقتصادية الغربية.
تداخل العولمتين: الاقتصادية والسياسية
مسألة: إن هناك روابط وثيقة بل تلازم واضح بين العولمتين: الاقتصادية والسياسية، فلا عولمة اقتصادية إلا ويلازمها عولمة سياسية، وقد ظهر هذا أيضاً مما سبق، ولكن حيث إن العولمة السياسية الغربية تساوي معنى الهيمنة السياسية، لذلك أدخلوا العولمة السياسية في العولمة الاقتصادية وأطّروها بإطارها، ولم يتعرضوا إلاّ لها، وجعلوها الواجهة للعولمة وطرحوها بين الناس، ومشى الناس عليها.
وكيف كان: فإن العولمة الاقتصادية أخذت أبعادها في الحال الحاضر بانتصار القوى الرأسمالية العالمية، وفوز العولمة السياسية بقيادة أمريكا، وسقوط الاتحاد السوفيتي والأنظمة الاشتراكية في دول أوروبا الشرقية، مما جعل النظام الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي يستعيد هيمنته وانتشاره لكن في صورته الجديدة، المبتنية على اقتصاد السوق، وعلى الثورة المعلوماتية، وعلى دمج الاقتصاديات الوطنية بالسوق الرأسمالية العالمية، وخضوعها لمفاهيم السوق، ولغة المنافسة الاحتكارية، وذلك بإشراف مؤسسات العولمة الاقتصادية الثلاث التي هي عبارة عن: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، والمنظمة العالمية للتجارة وهذه الأخيرة هي خليفة الغات.
ثم إن ملامح العولمة السياسية المغلّفة بالعولمة في الاقتصاد تبدو من خلال المظاهر الآتية وعلى ما يلي:
1: الإقبال الشديد على التكتل الاقتصادي للاستفادة من التطورات التقنية المدهشة.
2: تعاظم دور الشركات متعددة الجنسيات وتنامي أرباحها، وأتساع أسواقها، وتزايد نفوذها في التجارة الدولية والعالمية.
3: تنامي دور المؤسسات المالية الدولية والعالمية في تصميم برامج الإصلاح الاقتصادي، وتعديل سياسات التثبيت أو التغيير الهيكلي في الدول النامية، وذلك من أجل التحول إلى اقتصاد السوق.
4: إثارة المشكلات الاقتصادية وتدويلها، مثل الفقر، ومثل الأمية، ومثل التلوث وحماية البيئة، والتوجه العالمي لمعالجة هذه المشكلات والتعاون في حلها جميعاً.
5: تزايد دور التقنيات والتغيرات السريعة في أسلوب الإنتاج ونوعية المنتج وتأثيرها على الاقتصاد العالمي.
6: شيوع ظاهرة القرية العالمية والأسرة الواحدة، وتقليص المسافات وتحجيمها نتيجة لتطور وسائل النقل والمواصلات، وكثرة الاحتكاك بين الشعوب والرعايا.
7: تقدّم وسائل الإعلام وتطوّرها، وتأثيرها الكبير على حياة الإنسان، في انتشار الحضارات والثقافات وتشابكها وتداخل بعضها مع البعض الآخر.
8: تفاقم دور الموجه الثالثة: المعلوماتية، والإدارة، والمراقبة من إدارة نظم المعلومات، وغير ذلك.
العولمة والنظام العالمي الجديد
مسألة: النظام العالمي الجديد الذي سبّب العولمة الغربية يترتب بالدرجة الأولى على: الأقطاب الاقتصادية، وبعد ذلك على الأقطاب المسلحة، كأوروبا الموحّدة التي كان إجمالي ناتجها القومي المتوسط قرابة خمسة آلاف مليار دولار في سنة 2000م، وحصتها من التجارة العالمية ثمانية عشر من عشرة ونفوسها ثلاثمائة واثنين وعشرين مليون نسمة، ووصلوا في نهاية القرن الحالي إلى أربعمائة مليون نسمة تقريبا.
هذا بالنسبة إلى أوروبا الموحّدة، وأما بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فإن إجمالي ناتجها القومي يعادل قرابة أربعة آلاف مليار من الدولارات، وحصتها سبعة عشر من عشرة من التجارة العالمية، ونفوسها ما يقرب من ثلاثمائة مليون نسمة.
ثم بعد ذلك يأتي دور اليابان، وإجمالي ناتجها القومي مائتا مليار دولار، وحصتها تسعة من عشرة من التجارة العالمية، ونفوسها مائة وثلاثون مليون نسمة، ومعنى ذلك: إن اليابان وألمانيا اللتين خسرتا الحرب العالمية الثانية ستكونان أقوى من أيّ وقتٍ مضى، حيث إنهما حسمتا ناتج الحرب الباردة لصالحهما، وبرزتا كقوتين اقتصاديتين وقوّتين تكنولوجيتين عظيمتين، خصوصاً وإنّ ألمانيا قد اتحد شطراها.
وبعد هذه البلدان الثلاثة يأتي دور الأقطاب الاقتصادية الإقليمية، وأبرزها دول جنوب شرق آسيا، والسوق المشتركة بينهم، وهي: كوريا الجنوبية وتايوان، وهونغ كونغ، وسنغافورة، وماليزيا، وتايلندا، وهي الدول المعروفة اليوم بدول حوض الباسفيك، المطلّة على المحيط الهادي، وستشكل قوّة اقتصادية كبيرة في المستقبل غير البعيد، وذلك لأنها شهدت ارتفاعاً هائلاً في إجمالي ناتجها القومي، وإذا أضيف إليها اليابان فإن إجمالي ناتجها القومي سيحتل نسبة عشرين في العشرة من إجمالي ناتج العالم، بعد أن كانت النسبة لا تتجاوز ثمانية من عشرة في السبعينات، وستة عشر من عشرة في التسعينات.
أمّا الأقطاب السياسية الاقتصادية الإقليمية، وأبرزها في منطقة الشرق الأوسط هي الدول الإسلامية، بالنظر لوضعها السياسي الخاص الذي سيبقي ساخناً في المستقبل القريب على الأقل، وذلك على العكس من مناطق شرق آسيا ووسط جنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية، التي فرضت عليها أوضاع مستقرة إلى حدّ كبير، حيث إنها ستكيّف وضعها الداخلي، وعلاقاتها الخارجية وفقاً للمعادلة الاقتصادية للنظام العالمي، الأمر الذي يجعل وضعها السياسي مستقراً في الداخل، بعد أن تضطرّ ولو بنسبة إلى تبنّي نظم الديمقراطية الغربية، كما حصل في البرازيل، وهندوراس، وشيلي، التي استبدلت فيها الأنظمة العسكرية بأنظمة مدنيّة، ابتداءً من أواخر العام المنصرم، وسيكون القطب الأبرز في الشرق الأوسط هو: القوة الإسلامية التي تقودها بلاد إسلامية وتتمتع بامتدادات سياسية واسعة، وموارد اقتصادية هائلة، وقوّة عسكرية آخذة في التطور.
ولكن الدول الإسلامية إذا أرادت العزة والقوة فإنها ليست عند الغرب، بل ((لله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)) [2]، ولا تكون لهم العزة إلا بالرجوع إلى القوانين الإسلامية العالمية التي بينها القرآن الكريم وطبقها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
قال تعالى: ((الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعاً)) [3].
وقال سبحانه: ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ)) [4].
نعم إن ما ذكر من الحقائق الاقتصادية في هذه الدول، دفعت أمريكا إلى التعامل مع وحدات النظام العالمي الأخرى وفقاً لما تمليه عليها مصالحها في المستقبل، للمحافظة على موقعها وقطبيتها المركزية.
كما حاولت أمريكا إملاء شروطها السياسية والاقتصادية على اليابان وأوروبا الموحدة، وتوجيه حركتهم الاقتصادية قدر الإمكان وبالصورة التي لا تسمح لهما بتجاوزها مستقبلاً، وكان إحدى إجراءاتها في هذا المسار، إيجاد تكتّل اقتصادي كبير، بزعامة بلا منافس منها لأوروبا الموحدة باسم: رابطة دول شرق آسيا والباسفيك، وهي تضم كلاً من اليابان، وكوريا الجنوبية، ونيوزلندة، واستراليا، وكندا، ودول رابطة جنوب شرق آسيا، إضافةً إلى أمريكا.
وعلى مستوى المنطقة الإسلامية تحاول أمريكا ضمان موقعها وأهدافها في مستقبل النظام العالمي، وهو ما ظهر جليّاً خلال أزمة الكويت والأزمات الأخرى في المنطقة.
وأيضاً تحاول أمريكا فرض نظامها الإقليمي في المنطقة ومن خلال ما يسمّي بمحادثات السلام بشأن القضية الفلسطينية، إلى غير ذلك مما ينتهي أخيراً إلى عولمة البلاد في ظل النظام الاقتصادي الدولي بزعامة أمريكا، ومعنى ذلك: إن أمريكا هي المسيطرة على العالم في نظامها الجديد.
الاقتصاد الأمريكي بعد الحرب العالمية
ثمّ إنه لما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وسببت ما سببته من دمار، برز الاقتصاد الأمريكي على الساحة العالمية كقوة مهيمنة في الاقتصاد العالمي، وقال البعض بأنه: قد استعملت أمريكا موقعها الاقتصادي هذا بعد الحرب لإيجاد تحالف دولي سياسي واقتصادي على أساس مساعدة الدولتين المنكوبتين: ألمانيا واليابان وهي تحاول إحداث تطور سريع في النمو الاقتصادي لشرق وجنوب شرق آسيا، وفي أوروبا الغربية، وذلك لمواجهة التهديدات الناجمة من الاقتصاد الشيوعي والاشتراكي في البلاد السوفيتية والصينية، وقد ظهرت مستويات ممتازة من النمو الاقتصادي منذ الخمسينات في تلك المناطق، غير أنه قابلتها مستويات لابأس بها أيضاً من النمو الاقتصادي الشيوعي والاشتراكي في الاتحاد السوفيتي والصين أيضاً.
ولكن مع بداية تقهقر المد الاقتصادي الشيوعي والاشتراكي في الاتحاد السوفيتي والصين عند أواخر الستينات، بدء زحف اقتصادي جديد وأخذ ينتشر بسرعة في شرق وجنوب آسيا على شكل سلع تجارية تصديرية في نوعية ممتازة، وأسعار رخيصة، وطفقت تغطي السوق الأمريكية، وتنذر بإحداث عجز أكيد في الميزانية التجارية الأمريكية، وأخذت أمريكا تزداد مشكلة وبصورة خاصة عند ارتفاع اسعار النفط أوائل السبعينات، وعند التحول من اقتصاد صناعي إلى اقتصاد تقني خدماتي يعتمد على الإعلام والمعلومات وما أشبه ذلك.
هذا ولكن أمريكا صمدت تجاه المشاكل والصعوبات التي واجهت اقتصادها في السبعينات والثمانينات، واستطاعت أن تجبر ولو بنسبة ما حصل في ميزانيتها التجارية من عجز، وأن تحقق إعادة بنيان اقتصادها، بل وتمكنت أن تستعيد في أوائل التسعينات المبادرة في القوة الاقتصادية وأن تسترجع بذلك مكانتها.
نعم في الوقت الذي ظلت أوروبا الغربية تقارع ارتفاع كلفة الإنتاج فيها وتحاربه، وتعاني من ارتفاع نسبة البطالة وعوائق أخرى وتئن منه، وفي الظرف الذي بقيت اليابان رابضة في ركود اقتصادي منذ بداية التسعينات، قامت أمريكا وبكل إمكاناتها لتستعيد تفوّق حصتها في الأسواق العالمية بالنسبة إلى صناعتي السيارات والكومبيوتر وغير ذلك، وبالفعل استطاعت أن تسترجع موقعها الاقتصادي وتؤكد على أنها أكبر سوق، وأكبر دولة مصدرة في العالم، فإنّها بتفوقها في الأبحاث العلمية في حقل التقنية العالية، وبإنفاقها من أجل تطور تقنياتها قد رفعت نفسها إلى موقع جيد وموضع ممتاز، يمنحها قدرة الاستمرار في السيطرة على الأسواق العالمية لصناعات الطائرات والسيارات، ولشبكة الارتباطات والاتصالات العالمية: الانترنيت وبرامج الحاسوب في مطلع القرن الجديد.
ولقد قال أحد المطلعين الأمريكيين مصرحاً:
نحن أمام معارك سياسية وحضارية فظيعة، العولمة هي الأمركة، والولايات المتحدة قوة مجنونة، نحن قوة ثورية خطرة، وأولئك الذين يخشوننا على حق، إن صندوق النقد الدولي قطة أليفة بالمقارنة مع العولمة.
وهذا تصريح خبير منهم في مجال العولمة التي وقفت وراءها وبكل جدية أمريكا، وتريد تحقيقها على كل أقطار الأرض.
فاللازم على العلماء والمثقفين الإسلاميين طرح العولمة الإسلامية، فإنها مطابقة للفطرة الإنسانية وخالية من مساوئ العولمة الغربية وتأخذ بأيدي الجميع إلى السلام والرفاه والأمن والتقدم.
العولمة الغربية
بالمفهوم المعاصر
لا يخفى إن العولمة الغربية باللغة العصرية وبالمفهوم المعاصر أصبح بمعنى الأمركة، وهي تعني سيطرة الغرب وهيمنتها، والتحكم والتلاعب بالسياسة والاقتصاد، وفي مختلف البلاد والعباد، بل قد أخذت تمتد وتمتد لتطال ثقافات الشعوب بأجمعها، وتنال من الهوية الوطنية بأسرها، إنها طفقت تسعى جادة إلى تعميم أنموذج من السير والسلوك، وأنماط من الأخلاق والآداب، وأساليب من العيش والتدبير، تتوافق مع الثقافة الغربية، وتنسجم مع ميول المستعمرين، لتغزو بها ثقافات مجتمعات أخرى، وهذا لا يخلو من توجه استعماري جديد، في احتلال العقل والتفكير، وتسيير العقل والعواطف بعد الاحتلال وفق أهداف الغازي ومصالحه الشخصية، وقد أشار الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، إلى ذلك وأكّد عليه حين قال في أجواء الاحتفال بالنصر ومناخ الاحتشاد من أجل الظفر في حرب الخليج الثانية: إن القرن القادم سيشهد انتشار القيم الأمريكية وأنماط العيش والسلوك الأمريكي.
هذا مع أنها ليست هي القيم المثلى، ولا الأنماط العليا، وإنما القيم المثلى هي قيم الإسلام، والأنماط العليا هي الأنماط الإسلامية التي رسمها القرآن الكريم ورسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) في العيش والسلوك الإسلامي.
ثقافة العولمة الغربية
مسألة: إن العولمة الغربية تشتمل على أهداف غير إنسانية، وغير أخلاقية، فأنها تفكر مضافاً إلى الربح المادي ولو على حساب الآخرين، في الغزو الفكري والثقافي وما أشبه ذلك.
علماً بأن الخطر الواقعي للعولمة إنما يكون مخفياً في جانب ثقافة العولمة، فإن خطره يكون أكثر من بقية جوانب العولمة، لانطواء العولمة على الترويج لخمس ثورات أساسية، لا تخلو من تأثير كبير على حياة الناس جميعاً، وهذه الثورات الخمس هي عبارة عما يلي:
1: الثورة الفكرية الثقافية المروجة لفكرة المادية البحتة الخالية من الأخلاق والمعنويات، والداعية لثقافة الاستيراد والاستهلاك والمشجعة على فكرة: أن ينتج الآخرون ونحن نستريح ونستفيد.
2: الثورة الديمقراطية السياسية، الداعية إلى الانفتاح على ثقافة العولمة بما فيها من سلبيات.
3: الثورة التقنية الثالثة، السريعة التغيير في أسلوب الإنتاج ونوعية المنتجات، أو ما بعد الثالثة مثلاً، من دون ملاحظة الأخلاقيات فيها.
4: ثورة التكتلات الاقتصادية للاستفادة من التطورات التقنية الهائلة وبصورة خاصة العملاقة منها، للتحصيل على الربح الأكثر.
5: ثورة اقتصاد السوق، وحرية التبادل التجاري، ورفع الحواجز الحدودية، ومنع الرسوم الجمركية وما أشبه ذلك.
والنظام العالمي المسمى بالعولمة يُبنى على ما ينجم من هذه الثورات الخمس، ويعتمد الاقتصاد في هذا النظام على استثمار الوقت بأقل تكلفة، وعن طريق تحويل المعرفة الجديدة وتبديلها إلى سلع أو خدمات جديدة، أو استخدامها في التنويع السريع، والتحسين المستمر في المنتجات، والاستفادة منها في جودة التصنيع، وعرضها الجيد على الأسواق، وذلك بطريقة فعالة ومتواصلة، ودائمة ومستمرة.
العولمة الغربية
والتنمية الاقتصادية
مسألة: إنّ التنمية الاقتصادية في العولمة الغربية ليس المهم لديها التغيير من وضع سيئ مأساوي إلى وضع أفضل وأجمل، وإنما المهم في قاموسها هو: تحصيل الربح الأكثر من أي طريق كان، مضافاً إلى ما سوف يستغرقه هذا التغيير من الوقت في أنّه مثلاً كيف تحدث العولمة؟ وبأي طريق سوف يتم حدوثها واستمرارها؟ وبواسطة أي الطرق والأساليب يمكن إسراع حركة البضائع والخدمات، وانتقال رأس المال والأفراد، وتنشيط المعلومات والأفكار، وتحريك الرموز والاتجاهات، وتشجيع أنماط السيرة ونماذج السلوك عبر الحدود؟.
وحسب بعض الإحصاءات: هناك 20% من دول العالم هي أكثر الدول ثراء، وتستحوذ على 84. 6% بالمائة من الناتج الإجمالي للعالم، وعلى 84. 2% من التجارة الدولية، ويمتلك سكانها 85. 5% من مجموع مدخرات العالم، وإنطلاقاً من عام 1960 تضاعفت الهوة بين تلك الدول التي تعتبر من أغنى الدول، والدول التي تعتبر من أفقر دول العالم.
ثم إنه ما هو دور الشركات متعددة الجنسيات بالنسبة إلى كل ذلك، وما أشبه هذه الأمور المذكورة؟
قال بعض الخبراء المعنيين في هذا المجال:
إنّ عملية الانتشار يمكن أن تتحقق عبر طرق أربع، يرتبط بعضها ببعض، ويتداخل شيء في شيء، وهي كالتالي:
1: عبر التفاعل الحواري الثنائي الاتجاه ومن خلال تقانة الاتصال والارتباط.
2: عبر الاتصال المونولوجي أحادي الاتجاه وعن طريق الطبقة المتوسطة المقتصدة.
3: عبر المنافسة والمحاكاة والإبداع وما أشبه ذلك.
4: عبر تماثل المؤسسات وتشابهها.
ولم يذكر هذا الخبير عما للشركات متعددة الجنسيات من دور رئيسي في تنشيط عمليات الحركة والانتقال، بالنسبة إلى البضائع والخدمات ورأس المال بصورة خاصة، وبالنسبة إلى المعلومات والأفكار، والرموز والاتجاهات وما أشبه بصورة عامة، فإنها تعتبر من أهم عناصر الانتقالات الكونية والعالمية.
من أدوات العولمة الغربية
مسألة: إنّ الشركات متعددة الجنسيات تعتبر اليوم من أهم الأدوات التي تستخدمها الرأسمالية الغربية وخاصة الأمريكية، وتوظّفها في دفع الاقتصاد العالمي باتجاه العولمة، وذلك للعوامل التالية:
1: الشيوع الواسع والانتشار السريع للشركات متعددة الجنسيات، فلقد بلغ عددها إلى ما يقرب من أربعين ألف شركة، يطال نشاطها جميع المجالات، ويمتد إلى كل القارات الخمس وحتى المحيطات الستة، وقد بلغت واردات إحدى هذه الشركات متعددة الجنسيات من بين خمسمائة شركة تعدّ هي أكبرها، وذلك في العقد الأخير من القرن العشرين نحو: أحد عشر الف مليار دولار، ويكون نسبة هذا من الناتج المحلي العالمي الذي بلغ قرابة ثلاثة وعشرين ألف مليار دولار 44%، كانت حصة الوطن العربي منه قرابة ستمائة مليار دولار، وحصة الشركات متعددة الجنسيات حوالي ثلثي التجارة الدولية في مجال السلع والخدمات وغير ذلك، وثلث الاستثمارات الأجنبية المباشرة وما أشبه ذلك على ما قالوا[5].
2: نهوض الشركات متعددة الجنسيات وقيامها بدور مهم في تدويل المنتجات والخدمات، والتجارة والاستثمارات، مما قد أدى وبكل قوة إلى سيادة أنماط عالمية في ميدان الاستثمار والاستهلاك، والتصدير والتسويق، والإعلان والدعاية، وما أشبه ذلك من مثل الإنتاج، وما يرتبط بالإنتاج من علاقاته ومالكية وسائله وكيفيات ذلك.
3: انسلاخ النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي عن المواقف المشرفة، وعن المشاعر والعواطف الإنسانية، كلما تصادم حق الإنسانية مع حيوية الاقتصاد، وذلك لأن العولمة تواكب غالباً زيادة الدخل عند مالكي وسائل الإنتاج، وترافق عادة ارتفاع قيمة أسهم الشركات متعددة الجنسيات، وكذلك تصحب نوعاً ارتفاع نسبة المتقاعدين عن العمل في هذه الشركات، وهذه الأمور وأمثالها تتنافى مع حق الإنسان لأنها تهضم حقه ولا توفّيه ما يستحقه، ولأن فيها تكديس المال لأرباب هذه الشركات، وتقليله عند العاملين والمستهلكين، ويدل عليه الواقع الخارجي لمسألة العمال في هذه الشركات، إذ قد فصل عن العمل في المؤسسات الأمريكية ما يقارب من خمسين مليون عامل في مدة لا تتجاوز عن العشرين عاماً فقط[6].
أجل إن الشركات متعددة الجنسيات، أصبحت اليوم تتحكم بعصب السياسة الرئيسي، ألا وهو الاقتصاد، وتتلاعب به وبمقدرات الإنسان، بل بمقدرات الأمم والشعوب، وبالتالي بمقدرات كل العالم كيف تشاء، وبما تشاء، وتسعى بحثاً عن الأسواق، وعن المواد الخام، وعن كل ما يرتبط بنمو أرباحها وعائداتها، حتى إذا كان بما يعرق له جبين الانسانية، ويندى له وجه التاريخ.
إسرائيل إحدى أدوات العولمة الغربية
ومن الواضح إن إسرائيل إحدى أدوات العولمة الغربية المتوخاة لدى الأمريكان، ولهذا أخذ الأمريكيون يدعمون إسرائيل بأكبر قوّة عسكرية وسياسية واقتصادية وإعلامية في الشرق الأوسط، متحدّين بذلك جميع البلاد العربية والإسلامية، ولكن لا ينفع إسرائيل كل ذلك، كما لا يمكن دفع إسرائيل إلاّ بالمقابلة السلميّة والاحتجاجات المنطقية والدبلوماسيات القوية وما أشبه، وذلك بعد أن تتوحد الأمة الإسلامية وتأخذ بالقوانين الإسلامية المنسية من الأخوة والتعددية والحرية والشورى وما أشبه، قال سبحانه: ((ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم)) [7].
فالمقابلة بالبندقية، أو برمي الحجارة، من دون التصدي السياسي والإعلامي والدبلوماسي المناسب، لا تفيد شيئاً إلا إعطاء الذريعة للإسرائيليين الصهاينة بضرب الفلسطينيين وقصفهم قصفاً عشوائياً بلا رحمة ولا هوادة.
وقد بثّت صفحات التلفزيون صوراً التقطتها الأقمار الصناعية عن بعض ما يفعله الإسرائيليون في مقابلة من يرميهم بالحجارة من الفلسطينيين أصحاب الأرض، وأنهم كيف يرمونهم بوابل من الرصاص، وإذا عثروا على أحدهم كسروا يده، وذلك بوضعها على مصطبةٍ والضرب بساطور خشبيٍ على يده بكل قساوة، حتى تتكسر وتتهشم عظامها ولا يستطيع بعدها حمل السلاح ولا رمي الحجارة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق