الثلاثاء، 31 مارس 2009


مسألة: يجب السعي لنجاة الغرب من مساوئ العولمة الغربية التي سببت ضرر الإنسان الغربي أيضاً، فإن على الإنسان مسؤولية هداية أخيه الإنسان وإرشاده إلى الخير والصلاح وسعادة الدنيا والآخرة، علماً بأن الغرب ليس بأجمعه عدواً للإسلام والمسلمين بل هم أعداء لما زعموه من الإسلام، فإذا عرفوا حقيقة الإسلام وسماحته وشموليته ومطابقته للفطرة الإنسانية لأقبلوا عليه ودخلوا في دين الله أفواجاً، وقد ذكرنا في كتاب (كيف يمكن نجاة الغرب؟)[1]:
إن الغربيين أناس قابلون للهداية، فإنهم بشر والبشر بفطرته يحب الخير لنفسه ولغيره، ووجود ظواهر التعصب فيهم لا يدل على أنهم متعصبون..
ودليل عدم تعصبهم قبولهم للمسيحيّة، مع أن المسيح (عليه السلام) كان شرقياً وليس غربياً[2]، فاللازم اهتمام المسلمين سواء في بلاد الغرب وما والاها أو في غيرها من سائر البلاد غير الإسلامية أن يدخلوهم في الإسلام وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، واللازم أن يكون هذا الاهتمام قربة إلى الله تعالى لإنقاذ البشرية من ويلاتها.
وقد كان تنحي الغرب عن المسيحية إلى المادية الغارقة في الظلمات بسبب إفراط الكنيسة ومحاكم التفتيش وما إلى ذلك في القرون الوسطى، والإفراط عادة ينتهي إلى التفريط وبالعكس، ولذا فإنه يسهل دخولهم في الإسلام، فإن الإسلام بذاته ناجح لأنه دين الفطرة ولا يحتاج إلى مؤونة زائدة لإثبات حقانيته، وهذا من أهم ما يوجب هداية الغرب إلى الإسلام.
فاللازم الاهتمام الكافي لبيان أن الإسلام دين ودنيا، ويهتم بأمور الدنيا كما يهتم بالآخرة ويضمن سعادة كليهما، وان الذي لا يتبع الإسلام بكامله يبتلى بما أنذر به القرآن الحكيم: من خراب الدنيا ـ كما نشاهده الآن في أرقى حضارات الغرب[3] ـ وعذاب الآخرة كما في القرآن الحكيم، قال تعالى: ((ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى )) [4].
وقد ذكرنا في كتاب (الغرب يتغيّر) تفصيلاً حول اضطراب المناهج الغربية الموجبة لاضطراب الإنسان الغربي بنفسه، فكيف بالإنسان المستعمر تحت نفوذه؟
فبيان كل ذلك من ناحية، وبيان المنهج الإسلامي الصحيح من ناحية أخرى يوجب توسيع دائرة الإسلام وكثرة الإقبال عليه.
الغرب نحو التغيير
لعل ظواهر الأحداث تدل على أن الغرب أعم من أمريكا وأوروبا، في حال تغير سريع، ربما لا تمر عشر سنوات إلا ويحصل التغيير.
وأمام الغرب تغيران:
الأول: التغير نحو الإسلام، وذلك إذا أحسن المسلمون التصرف وتمكنوا من تعريف الإسلام إلى الغرب بالكيفية التي طبقها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام).
الثاني: التغير نحو الإصلاح النسبي، ومن الطبيعي أن يكون الإصلاح لصالح الإسلام أيضاً، فإن كل إصلاح وخير قد أمر به الإسلام.
وعقلاء الغرب منزعجون جداً من السلبيات التي أدت إليها الحضارة الغربية، وهم يفكرون في العلاج الجدي لها، ومن مظاهر تلك السلبيات أمور:
الأول: الفراغ الروحي، فإن المادة لا تملأ الروح، كما أن الكنيسة الخاوية عن المعنويات اللازمة لا تتمكن من أن تسد هذا الفراغ الحاصل، وقد قالوا: فاقد الشيء لا يعطيه.
الثاني: الفوضى في أمور الجنس، فإن ذلك يوجب انزعاجاً للأعزب والمعيل، وللمتدين وغير المتدين، حيث يحرم الإنسان من دفء العائلة ويصرفه عن تربية الأجيال الصالحة، مضافاً إلى ما يسببه من الأمراض الجسدية والنفسية كالقلق والكآبة وما إلى ذلك.
ومن المعلوم أن قانوناً يبيح السفور والبغاء واللواط والأخلاء والخليلات يوجب سقوط كرامة المرأة، وخروج الأسرة عن الدفء والحرارة الزوجية والعائلية إلى البرودة وجعل العوانس بالملايين[5]..
الثالث: التضخم والروتين الإداري على حساب حرمان الناس، فإن كل موظف يقلل من حريات الناس بقدره، نعم بعض الموظفين ممن يحتاج إليهم، ولكن البعض الآخر وهم الأكثر الأكثر في نظام الغرب الحالي، يوجب خنق الحياة، فزيادة الموظفين إلى حيث واحد لكل خمسة عشر، توجب كبت الحريات وإهدار الأموال والأوقات، وكثرة الرشاوى وتأخير العمران كما هو واضح، ومن هنا تريد الشعوب التخلص من هذا التضخم إلى المقدار الضروري فحسب.
الرابع: انعدام الصحة وتفشي الأمراض بصورة مدهشة، مما لم يكن له نظير في تاريخ العالم الإنساني، ولا شك أن هذه الأمراض هي وليدة الحضارة المنحرفة، ولا فرق في انعدام الصحة الجسدية والنفسية، مما هي نتيجة القلق والجشع وحب السيطرة، وما أشبه.
الخامس: الاستعمار، حيث له ضرران:
ألف: إنه مخالف للفطرة، فإن الإنسان السليم النفس ـ وهم أغلبية الناس حيث ((فطرة الله التي فطر الناس عليها)) [6] ـ لا يرضى بأن يستعمر غيره مهما كان المبرر، ولذا نرى شعوب تلك البلاد ـ على الأغلب الأغلب ـ ضد استعمار حكوماتهم لبلاد العالم الثالث وغيرها.
ب: إن الحكام لا يمكنهم عادة المحافظة على طبيعتين مختلفتين: طبيعة الاستيلاء في الخارج، وطبيعة الأخوة والخدمة الإنسانية في الداخل، ولذا سرى استعمارهم الخارجي إلى استعمارهم لداخل بلادهم بنسبة أو أخرى، وهذا مما لا ترضى به شعوبهم.
السادس: الغرور الذي أوجب لبعض الغربيين أن يخطط لتحطيم الإنسان الذي لا يكون من عرقه وقومه ودينه وجنسه ووطنه، بينما المعيار في الإسلام هو الإنسان بما هو إنسان، وقد أراد الإسلام الارتفاع والتعالي ومكارم الأخلاق لجميع الناس.
لذا أخذ علماء الغرب يفكرون في نجاة البشر من هذه المآسي.
إن تغيير الغرب نحو الأفضل يمكن عبر العولمة الإسلامية والتعرف على المناهج الفطرية السليمة التي جاء بها الإسلام وبينها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرون (عليهم السلام).
المنظمة العالمية الإسلامية
ومن الضروري أيضاً لنجاة الغرب تشكيل منظمة عالمية إسلامية تختص بهذا الأمر، فان الفرد بمفرده لا يتمكن من الوصول إلى الهدف المطلوب، والحركات الإسلامية في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية وإن كانت كثيرة لكنها لا ترتبط بعضها ببعض.
وهذه المنظمة العالمية الإسلامية إذا أرادت نجاة الغرب فهي بحاجة إلى أمور كثيرة، من أهمها: اللاعنف، فإن من الضروري على الحركة العالمية التي تريد نجاة الغرب، سلوك طريق اللاعنف.
قال سبحانه: ((فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك )) [7]، فإنه وإن كان ظاهراً في المسلمين، إلاّ أن العلّة عامة، فتشمل حتى غير المسلمين بعدم ممارسة العنف معهم وذلك في طريق الهداية والتبليغ.
وأما قوله تعالى: ((أشداء على الكفار)) [8] يراد به في حال الحرب وما أشبه، وإلاّ فالنبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن عنيفاً حتى مع غير المسلمين أيضاً في الحالات العادية، كما يدل على ذلك سيرته العطرة وسيرة الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
واللازم في نجاة الغرب عدم محاربة الكنائس وإن حاربت الحركة، وذلك لعدم الانشغال بالجزئيات فان المهم الوصول إلى النتائج المرضية لا ما هو حقي وما هو حقك في الأمور العادية كما في مقام التخاصم.
وحركة اللاعنف وإن كانت صعبةً جداً على النفس لكنها مثمرة جداً في الوصول إلى الهدف وهو نجاة الغرب، والعاقل يقدّم الصعوبة على الفشل والأهم والمهم.
واللاعنف ليس في بعد السلاح فقط، بل يشمل حتى الكلمة والنظرة والإهانة وغيرها، كما يشمل وسائل الإعلام كالصحف والمجلات وما أشبه، فيجب أن تكون عفيفة غير عنيفة وإن عمل الطرف بأشد العنف، قال تعالى: ((ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلاّ الذين صبروا وما يلّقاها إلاّ ذو حظ عظيم)) [9].
الخدمات الإنسانية
من أهم ما يلزم على الحركة التي تريد نجاة الغرب: تقديم الخدمات الإنسانية للغربيين، بأن يهتم المسلمون بخدمة الإنسان بما هو إنسان، مؤمناً أو غير مؤمن، مسالماً أو غير مسالم..
فان الخدمة أهم ما يقرب القلوب ويخضع الأرواح.
سواء كانت خدمات صحيّة، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو اقتصادية كفتح المصارف وصناديق الإقراض الخيري وإيجاد فرص العمل للعاطلين، أو تزويج الشباب والفتيات، أو إنعاش الفقراء، أو غير ذلك مما هو كثير..
وقد ورد في الحديث: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطى الماء لكفار بدر[10]، كما أعطى لأهل مكة المال الكثير في حال محاربتهم له[11].
كما أن أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) أعطى الماء لمعاوية وأصحابه وهو في محاربته[12].
والإمام الحسين (عليه السلام) أعطى الماء للذين جاءوا لقتاله[13] ‎وأخيراً قتلوه. إلى غير ذلك من القصص الواردة بهذا الشأن.
وهذا هو شأن الله سبحانه وأنبيائه وأوليائه مع أعدائهم، وقد ورد في الحديث: «تخلقّوا بأخلاق الله»[14].
واللازم في ذلك ملاحظة جميع الجوانب حتى لا يكون إفراط من جهة ولاتفريط من جهة أخرى.
وقد يزعم زاعم أن الغرب اكتفى من هذه الجهة الخدماتية، فهو لا يحتاج إلى خدماتنا، ولكن بعد دراسة الغرب نرى كثرة احتياجاته إلى بعض الخدمات الإنسانية.. فالإنسان هو الإنسان سواء كان في الغرب أو الشرق، حوله حشد من الحاجات، وتحيط به المشاكل مهما كان مرفهاً ومنعّماً.
كما أن الإنسان بشكل عام يحب الخدوم الذي ينفعه ويخدمه مهما كان بينه وبين الخدوم بون أو شحناء، قال الإمام علي (عليه السلام): «الإنسان عبد الإحسان»[15].
وقال (عليه السلام): «الإحسان يستعبد الإنسان»[16].
وقال (عليه السلام): «إنهم ـ أي الناس ـ صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»[17].
وقال (عليه السلام): «جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها»[18].
فإن مثل هذه الخدمات تقرب غير المؤمنين إلى الإيمان، وغير الصالحين إلى الصلاح، والله سبحانه المسدّد المستعان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق