الاثنين، 30 مارس 2009


الفطرة الاجتماعية
مسألة: قد خلق الله تعالى الإنسان على فطرة اجتماعية، فهو أبداً يهوى العولمة ويسعى للتعولم، وإليه أشار قول الله تعالى في القران الحكيم: ((يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر واُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا انّ اكرمكم عند الله اتقاكم)) [1].
فكل الفصول الثلاثة من الآية المباركة طبيعية للبشر، حيث إنّ الذي يعمل أكثر وبكيفية أحسن، يكون أكرم ذاتاً، والأكرمية الذاتية تتبعها الأكرميّة العرضية، فإن كل ما بالغير ينتهي إلى ما بالذات كما يقوله الحكماء.
مضافاً إلى ذلك إنّ الإنسان يميل إلى هذه الجهة: جهة التعارف والتآلف، وينحو نحو هذا الاتجاه الفطري الموهوب، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «خير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف»[2].
فالإنسان مهما كان بلده وموطنه هو إنسان، وله نفس المشاعر والأفكار الجسدية التي يحملها كل إنسان آخر، وإنما الاختلاف غالباً في الأفكار والآراء، وللفكر موازين و مقاييس، والميزان الصحيح والمقياس المستقيم هو الذي ذكره الله تعالى، وبيّنه العقل: من أنّ للكون إلهاً واحداً قادراً عادلاً حكيماً، إلى آخر ما ذكر في توحيد الله سبحانه وتعالى وكذلك في سائر أصول الدين من العدالة والنبوة والإمامة والمعاد في يوم القيامة، وكل شيء ينحرف عن هذا المعتقد السليم فهو انحراف عن الفطرة والعقلانية.
العولمة الصحيحة أمر لابدّ منه
مسألة: إن العولمة الصحيحة هدف إنساني لا غناء عنه إلاّ بنشره وتعميمه، ولا طريق للإنسانية أمامها إلاّ بالدخول فيها والانتماء إليها، علماً بأنّه لم يكن الدخول فيها قد بدأ في هذه الأيام، بل منذ إرسال الأنبياء أولي العزم (عليهم السلام) وأخذت تتبلور وتتكامل منذ بدء عهد الرسالة الإسلامية، ففي يوم الأحزاب عندما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسلمون معه يحفرون الخندق حول المدينة ليأمنوا جانب العدو استعصى عليهم حجر صلد، فضربه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمعوله فانقدحت منه شرارة وسطع منها نور، فقال (صلى الله عليه وآله) وهو يبشر المسلمين: إني رأيت فيه قصور الحيرة ومدائن كسرى، ثم ضربه ثانية وثالثة، فانقدحت في كل ضربة شرارة، وسطع منها نور كذلك، وفي كل مرة يقول (صلى الله عليه وآله) لأصحابه بأنه رأى فيها هدفا من الأهداف العالمية، حيث بشّر المسلمين بأنهم يصلون إلى تلك البلاد وينشرون الإسلام فيها، فإن الإسلام دين عالمي[3].
وبالفعل، فقد وصلوا إلى تلك المناطق البعيدة، ونشروا الإسلام فيها، وهم في طريقهم إلى تحقيق ما وعدهم الله من ظهور الإسلام على كل الأديان، لما في الإسلام من محاسن الأديان كلها وخلو الأديان من محاسن الإسلام.
ويؤيد ذلك تنبؤات بعض كُتّاب الغرب ومحققيهم فقد قال أحدهم في كتابه: إنه لا يمرّ علينا مائة عام إلا ونرى البريطانيين يدخلون في الإسلام.
وقال آخر منهم: إنه لا يمرٌ مائة عام إلاّ والمسلمون يأخذون بزمام أمريكا.
هذا بالإضافة إلى ما نعتقده نحن من أنه سيظهر الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) ليحقق تطبيق الإسلام على جميع أرجاء المعمورة وذلك قوله سبحانه: ((ليظهره على الدين كله)) [4] فإن الإسلام لابد له من يوم يأخذ فيه بزمام العالم كله، أخذا صحيحا تحت لواء الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ومن يدرس الإسلام ويرى حقائقه الناصعة، ويدرس في المقابل الانحرافات في غيره، لابد أن يعترف بذلك.
كما يعترف من يرى نور الشمعة ويرى نور المصباح الكهربائي بأن نور المصباح غالب، وسوف يتغلب على نور الشمعة ويحلّ محلها، لأن من الواضح أن الطاقة الكهربائية نافعة للإنسانية جميعا نفعا كبيراً، بينما ليست الطاقة المتولدة من الشمعة أو ما أشبه مثلها، وكذلك من يرى السفر على الوسائل البدائية والقديمة من البغال والحمير، ويرى السفر بالوسائل المتطورة الحديثة من القاطرات والطائرات، ولعله يأتي في المستقبل شيء يفوق هذه الوسائل الحديثة الموجودة الآن، فإنه يصح له أن يقول: إن المستقبل للوسائل الحديثة، وذهاب دور القديمة منها وزوالها.
وهكذا بالنسبة للعولمة الصحيحة.
كيف تكوّنت العولمة؟
إن الله تعالى جبل الإنسان وفطره على العولمة، وأرسل إليه نظاماً عالمياً يحمل طابع الكونية في فكره وثقافته، وفي اقتصاده وسياسته، ومن هنا تكوّنت العولمة.
إن الإسلام هو أول من جاء بأسس العولمة الصحيحة، وبلّغ لها، ودعا إليها، قال الله تعالى: ((ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)) [5] وحيث إن كلمة: «من» في الآية الكريمة من كلمات العموم، فالخطاب موجه إلى كل أهل الأرض، وجميع أهل العالم، ولا يمكن أن يكون الخطاب من الله الحكيم موجها إلى كل أهل الأرض، إلا إذا كان الإسلام الذي أنزله الله تعالى في كتابه، وبعث به رسوله الحبيب محمد (صلى الله عليه وآله) جامعاً لكل أسس العولمة الصحيحة، وشاملاً لجميع القوانين الصالحة لإدارة العالم كله على نهج عادل وقويم، موفراً لكل أهل العالم فرداً وجماعة الرغد والدعة، والأمن والاستقرار، والسعادة والعيش الهنيء، والإسلام فعلاً هو كذلك، وإلا لما دعا الله تعالى ـ وهو الحكيم المطلق ـ العالم كله إليه، وحذّر من التديّن بغيره من الأديان والمبادئ الأخرى.
ويؤيد ذلك قوله تعالى مخاطباً رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله): ((وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون)) [6].
وقوله سبحانه: ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)) [7].
فالرسول الحبيب (صلى الله عليه وآله) رسول إلى الناس كافة، وليس لبعضهم دون بعض، ورحمة مهداة للعالمين، وليس لعالم دون آخر، كما قال (صلى الله عليه وآله): «إنما أنا رحمة مهداة»[8].
العولمة وأول من طرح فكرتها
مسألة: الإسلام هو أول من طرح فكرة العولمة الصحيحة، وأول من أقام صلبها بنظام اقتصادي سليم، وأول من جاء بمستلزماتها ومقوماتها، وأول من رصّ أسسها وأحكم قواعدها، وقد طبّق الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) العولمة الصحيحة التي جاء بها الإسلام، وحقق نظام اقتصادها السليم، وسعى لتبيينها وتحديد مسارها ومعالمها، فجعل بأمر الله تعالى الدين واحداً، والمعبود واحداً، والكتاب واحداً، والاقتصاد واحداً، والتاريخ واحداً، والقبلة واحدة، والسنّة واحدة، والشريعة واحدة، واللغة واحدة ومشتركة بين الجميع، مما يحقق الأسرة الواحدة والبيت الواحد.
إنّه شرع الأذان ـ مثلاً ـ إعلاماً للصلاة ورتّب فصوله باللغة العربية، وبحكمة فائقة، وجعله شعاراً للإسلام، إنه يدعو فيه كل يوم عدة مرات، إلى أوليات العولمة الصحيحة، وملاكاتها القويمة: إلى تمجيد الله وتوحيده، وإلى الإيمان بالرسول ورسالته، والى توحيد الإمامة والولاية في أهل بيته، وإلى الصلاة بين يدي الله الواحد الأحد، بلسان واحد، ولغة واحدة، وباتجاه قبلة واحدة، وعلى سنّة واحدة، وشريعة واحدة، وكم في هذا وحده من إيحاء للنفس على الشعور المشترك بالعمل المشترك، وتربية لها على العولمة الصحيحة وحب الآخرين؟.
إنه لو لم يكن في الإسلام ما يدعو إلى العولمة الصحيحة سوى الأذان، الذي أشرنا إلى القليل من معانيه الكثيرة، لكان الإسلام وحده هو الجدير بأخذ زمام العالم، ونشر رحمة عولمته الحكيمة والعادلة على كل الشعوب وجميع الناس.
نعم، لقد جاء الرسول الحبيب (صلى الله عليه وآله) بأسس العولمة الصحيحة، وطبّقها بحكمة عالية كانت باستطاعتها تغطية كل العالم بظلال رحمتها، وجناح عدلها، غير أن الحكام غير الشرعيين الذين علوا منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصادروا حق علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأولاده المعصومين، مثل حكام بني اُمية، وبني مروان، وبني العباس، وبني عثمان، غيّروا وبدّلوا كل شيء جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حتى الأذان الذي جاء به جبرئيل إليه (صلى الله عليه وآله). فإنّهم حذفوا بعض فصوله، وزادوا عليه وبدّلوا تبديلاً، كما وإنهم بدّلوا كل ما استطاعوا تبديله، فحرموا العالم رحمة العولمة الصحيحة وعدلها.
وهكذا تقدم الزمان، ونزلت الأجيال في شرق الأرض وغربها، وهي محرومة من عولمة الإسلام، حتى تململ الغرب وتحرك من تحت سياط الاستبداد وخرج من ظلمات القرون الوسطى ليرى النور، فلم يبصر شيئاً سوى مظالم الحكام وظلمات الخلافة الجائرة، ولم يبصر ـ ومع الأسف الشديد أو لم يحاول الإبصار ـ ليرى نور الإسلام، ونور كتابه ومنهجه، ونور قوانينه وأحكامه، ونور رسوله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، ونور العولمة الصحيحة التي جاءوا بها وسعوا في تطبيقها، ولذلك حنقوا على الإسلام وعلى كل شيء من العولمة التي جاء بها، وقضوا على الخلافة العثمانية، وقسموا العالم إلى الكتلة الشرقية والكتلة الغربية، ولما ذاقوا وبال هذا التقسيم عملوا على توحيد العالم، فحذفوا الكتلة الشرقية من الخارطة، وقرّروا توحيد العالم تحت عولمة غربية بقيادة الولايات المتحدة.
العولمة الصحيحة ومقوماتها
مسألة: من اللازم علينا إذا أردنا ـ نحن المسلمين ـ تحقيق العولمة الصحيحة بالمعنى الإسلامي أن نعيد الاعتبار للإنسان والإنسانية كما أمر به الإسلام، وأن نحيي الخُلق الإسلامي، ومفاهيم الحوار الحر بين كل الأطراف كما كان جارياً مع كل الأديان والمذاهب على طول التاريخ الإسلامي، وذلك: انطلاقاً من مبدأ الأخوة الإسلامية العامة والشاملة، غير المنحصرة في ضيق القوميات والعرقيات، ولا المحدودة بالحدود الجغرافية والإقليمية.
يعني: على غرار ما أسسه الرسول (صلى الله عليه وآله) في المدينة المنورة بعد الهجرة، وذلك بعد أن رصّ قواعده في مكّة المكرّمة، فقد ورد في التاريخ إن النبي (صلى الله عليه وآله) آخى بين المسلمين مرّتين، مرّةً في مكة المكرّمة ومرّة في المدينة المنوّرة، وآخى بين الرجال كما آخى بين النساء، أخوّة جامعة لكل معاني الأخوة وحقوقها.
وهناك الكثير من الروايات في باب الأخوة وحقوقها، نشير إلى بعضها.
قال أبو جعفر (عليه السلام): «من حق المؤمن على أخيه المؤمن أن يشبع جوعته، ويواري عورته، ويفرج عنه كربته، ويقضي دينه، فإذا مات خلفه في أهله وولده»[9].
وعن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما حق المسلم على المسلم؟
قال: «له سبع حقوق واجبات ما منهن حق إلا وهو عليه واجب، إن ضيع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته ولم يكن لله فيه من نصيب».
قلت له: جعلت فداك وما هي؟
قال: «يا معلى إني عليك شفيق أخاف أن تضيع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل.
قلت: لا قوة إلا بالله.
قال: أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك.
والحق الثاني: أن تجتنب سخطه وتتبع مرضاته وتطيع أمره.
والحق الثالث: أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك.
والحق الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته.
والحق الخامس: أن لا تشبع ويجوع ولا تروى ويظمأ ولا تلبس ويعرى.
والحق السادس: أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فتغسل ثيابه وتصنع طعامه وتمهد فراشه.
والحق السابع: أن تبر قسمه وتجيب دعوته وتعود مريضه وتشهد جنازته وإذا علمت أن له حاجةً تبادره إلى قضائها ولا تلجئه أن يسألكها ولكن تبادره مبادرةً فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته وولايته بولايتك»[10].
وعن عبد الأعلى بن أعين قال: كتب بعض أصحابنا يسألون أبا عبد الله (عليه السلام) عن أشياء وأمروني أن أسأله عن حق المسلم على أخيه، فسألته فلم يجبني، فلما جئت لأودعه فقلت: سألتك فلم تجبني؟
فقال: «إني أخاف أن تكفروا إن من أشد ما افترض الله على خلقه ثلاثاً إنصاف المرء من نفسه حتى لا يرضى لأخيه من نفسه إلا بما يرضى لنفسه منه ومواساة الأخ في المال وذكر الله على كل حال ليس سبحان الله والحمد لله ولكن عند ما حرم الله عليه فيدعه»[11].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما عبد الله بشيء أفضل من أداء حق المؤمن»[12].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المسلم أخو المسلم وحق المسلم على أخيه المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه ولا يروى ويعطش أخوه ولا يكسى ويعرى أخوه فما أعظم حق المسلم على أخيه المسلم»[13].
وقال (عليه السلام): «أحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك، وإذا احتجت فسله، وإن سألك فأعطه، لا تمله خيراً، ولا يمله لك، كن له ظهراً فإنه لك ظهر، إذا غاب فاحفظه في غيبته، وإذا شهد فزره وأجله وأكرمه، فإنه منك وأنت منه، فإن كان عليك عاتباً فلا تفارقه حتى تسأل سميحته، وإن أصابه خير فاحمد الله، وإن ابتلي فاعضده، وإن تمحل له فأعنه، وإذا قال الرجل لأخيه أف انقطع ما بينهما من الولاية، وإذا قال أنت عدوي كفر أحدهما، فإذا اتهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء»[14].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «للمسلم على أخيه المسلم من الحق أن يسلم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، وينصح له إذا غاب، ويسمته إذا عطس، ويجيبه إذا دعاه، ويتبعه إذا مات»[15].
وعن أبي المأمون الحارثي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما حق المؤمن على المؤمن؟ قال: «إن من حق المؤمن على المؤمن المودة له في صدره، والمواساة له في ماله، والخلف له في أهله، والنصرة له على من ظلمه، وإن كان نافلة في المسلمين وكان غائباً أخذ له بنصيبه، وإذا مات الزيارة إلى قبره، وأن لا يظلمه، وأن لا يغشه، وأن لا يخونه، وأن لا يخذله، وأن لا يكذبه»[16].
وعن أبان بن تغلب قال: كنت أطوف مع أبي عبد الله (عليه السلام) فعرض لي رجل من أصحابنا قد سألني الذهاب معه في حاجة فأشار إلي أن أدع أبا عبد الله (عليه السلام) وأذهب إليه فبينا أنا أطوف إذ أشار إلي أيضاً، فرآه أبو عبد الله (عليه السلام) فقال: «يا أبان إياك يريد هذا؟ ».
قلت: نعم.
قال: «ومن هو؟ ».
قلت: رجل من أصحابنا.
قال: «هو مثل ما أنت عليه».
قلت: نعم.
قال: «فاذهب إليه فأقطع الطواف».
قلت: وإن كان طواف الفريضة.
قال: «نعم».
قال: فذهبت معه، ثم دخلت عليه بعد فسألته فقلت: فأخبرني عن حق المؤمن على المؤمن؟
فقال: «يا أبان دعه لا تريده».
قلت: بلى جعلت فداك، فلم أزل أردد عليه.
فقال: «يا أبان تقاسمه شطر مالك»، ثم نظر إلي فرأى ما دخلني، قال: «يا أبان أما تعلم أن الله قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟ ».
قلت: بلى جعلت فداك.
قال: «إذا أنت قاسمته فلم تأثره بعد تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر»[17].
وعن عيسى بن أبي منصور قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) أنا وابن أبي يعفور وعبد الله بن طلحة فقال ابتداءً منه: «يا ابن أبي يعفور قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ست خصال من كن فيه كان بين يدي الله عز وجل وعن يمين الله».
فقال ابن أبي يعفور: وما هن جعلت فداك؟
قال: «يحب المرء المسلم لأخيه ما يحب لأعز أهله، ويكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعز أهله، ويناصحه الولاية.
فبكى ابن أبي يعفور وقال: كيف يناصحه الولاية؟
قال: «يا ابن أبي يعفور إذا كان منه بتلك المنزلة بثه همه، ففرح لفرحه إن هو فرح، وحزن لحزنه إن هو حزن، وإن كان عنده ما يفرج عنه فرج عنه، وإلا دعا الله له»[18].
عن محمد بن عجلان قال: «كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل رجل فسلم، فسأله «كيف من خلفت من إخوانك؟ ».
قال: فأحسن الثناء وزكى وأطرى.
فقال له: «كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم».
فقال: قليلة.
قال: «فكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم؟ ».
قال: قليلة.
قال: «فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟ ».
فقال: إنك لتذكر أخلاقاً قل ما هي فيمن عندنا.
قال: فقال: «فكيف تزعم هؤلاء أنهم شيعة»[19].
وعن أبي إسماعيل قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك إن الشيعة عندنا كثير، فقال: «فهل يعطف الغني على الفقير وهل يتجاوز المحسن عن المسي‏ء ويتواسون؟ ». فقلت: لا.
فقال: «ليس هؤلاء شيعةً، الشيعة من يفعل هذا»[20].
وعن معلى بن خنيس قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن حق المؤمن؟
فقال: «سبعون حقاً لا أخبرك إلا بسبعة، فإني عليك مشفق أخشى ألا تحتمل».
فقلت: بلى إن شاء الله.
فقال: «لا تشبع ويجوع، ولا تكتسي ويعرى، وتكون دليله وقميصه الذي يلبسه، ولسانه الذي يتكلم به، وتحب له ما تحب لنفسك، وإن كانت لك جارية بعثتها لتمهد فراشه وتسعى في حوائجه بالليل والنهار، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايتنا وولايتنا بولاية الله عز وجل»[21].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولايخونه ويحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاقد على التعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجل رحماء بينكم متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) »[22].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) «حق على المسلم إذا أراد سفراً أن يعلم إخوانه وحق على إخوانه إذا قدم أن يأتوه»[23].
وعن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «تواصلوا وتباروا وتراحموا وتعاطفوا»[24].
نعم انطلاقاً من مبدأ الأخوة الإسلامية بما لها من الحقوق التي هي ما بين واجب ومستحب، وانتهاءً إلى توحيد التاريخ الإسلامي الهجري، وتوحيد اللغة العربية لغة القرآن والوحي، بذلك سنحصل على ثقافة واقعية إسلامية، وأسلوب صحيح لتكوين مجتمع إسلامي قويم على أساس من الفكر الإسلامي المنفتح، والمتجاوب مع كل تيّارات الحداثة، والتطورات الإيجابية، والمستجيب لكل رغبات الإنسان المادية والروحية المشروعة، وفي ظل ذلك يكون تعميق الوعي الروحي والمعنوي، وتفتح الوعي المادي والتجريبي.
الرسالة العالمية والعولمة الإسلامية
مسألة: رسالة الإسلام عالمية، فلم يكن الإسلام يوماً للعرب وحدهم، ولم يكن القرآن يوماً لقريش وحدها، ومن هنا فإن الحديث عن العولمة الإسلامية حديث جميل وشيق للغاية، إذ قد جاء الإسلام بها منذ أيامه الأولى، ومن حين بزوغ شمسه المنيرة على الكون.
وقد أكد القرآن الكريم على هذا المعنى، وأيدته الأحاديث النبوية الكريمة والسيرة النبوية الشريفة، وهي كثيرة نستعرض منها ما يلي:
1: قال الله تعالى في صفة القرآن الذي هو دستور السماء لأهل الأرض: ((إن هو إلا ذكر للعالمين)) [25].
2: وقال تعالى مباهياً بما أنزل من دستور وبمن أنزل عليه من رسول (صلى الله عليه وآله): ((تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً)) [26].
3: وقال سبحانه وهو يصف رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) ورسالته المباركة: ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)) [27].
4: وقال سبحانه في بيان مهمة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): ((وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً)) [28].
5: وقال جلّ وعلا في أجر الرسالة والرسول (صلى الله عليه وآله): ((وما تسألهم عليه من أجرٍ إن هو إلا ذكر للعالمين)) [29].
6: وقال عزّوجلّ في صفة الكعبة والبيت الحرام: ((إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين)) [30].
7: قال تعالى: ((إن هو إلا ذكر للعالمين، ولتعلمن نبأه بعد حين)) [31].
8: وقال سبحانه: ((إن هو إلا ذكر وقرآن مبين، لينذر من كان حياً)) [32].
9: وقال عز من قائل: ((ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)) [33].
10: وقال تعالى: ((ما فرطنا في الكتاب من شيء)) [34].
إلى غيرها من الآيات والروايات.
ومن هذه الآيات المباركة وغيرها تتجلى الرسالة العالمية، وتتضح العولمة التي جاء بها الإسلام رحمة للناس كل الناس، وليس لطبقة خاصة، كأصحاب الشركات والاستثمارات الذين لا يرون إلا مصالحهم، ولا يعملون إلا من أجل منافعهم، وان تضرر الآخرون من الأكثرية الساحقة.
الأحاديث الشريفة والعولمة
مسألة: يستفاد من الأحاديث الكريمة المروية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) مقومات العولمة الإسلامية، فترى مخاطبتها لكل العالم، ولكل الأجيال، بلا حرج، وخاصة في ما يخصّ التماسك والترابط الاجتماعي، والتحابب والتوادد العاطفي، وتحويل المجتمع الإنساني الكبير إلى أسرة صغيرة واحدة، يسودها الحب والحنان، والرحمة والإحسان.
فعن مرازم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «عليكم بالصلاة في المساجد وحسن الجوار للناس وإقامة الشهادة وحضور الجنائز، إنه لابد لكم من الناس إن أحداً لايستغني عن الناس حياته والناس لابد لبعضهم من بعض»[35].
وعن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس؟ قال: فقال: «تؤدون الأمانة إليهم وتقيمون الشهادة لهم وعليهم وتعودون مرضاهم وتشهدون جنائزهم»[36].
وفي حديث آخر قال قلت له: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا؟ قال: «تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون فو الله إنهم ليعودون مرضاهم ويشهدون جنائزهم ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الأمانة إليهم»[37].
وعن حبيب الخثعمي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «عليكم بالورع والاجتهاد واشهدوا الجنائز وعودوا المرضى واحضروا مع قومكم مساجدكم وأحبوا للناس ما تحبون لأنفسكم أ ما يستحيي الرجل منكم أن يعرف جاره حقه ولا يعرف حق جاره»[38].
وعن أبي أسامة زيد الشحام قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): « اقرأ على من ترى أنه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام وأوصيكم بتقوى الله عزوجل والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة وطول السجود وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (صلى الله عليه وآله)، أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها براً أو فاجراً، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل هذا جعفري فيسرني ذلك ويدخل علي منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره وقيل هذا أدب جعفر، فو الله لحدثني أبي (عليه السلام) أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي (عليه السلام) فيكون زينها آداهم للأمانة وأقضاهم للحقوق وأصدقهم للحديث إليه وصاياهم وودائعهم تسأل العشيرة عنه فتقول من مثل فلان إنه لآدانا للأمانة وأصدقنا للحديث»[39].
وعن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) «من خالطت فإن استطعت أن تكون يدك العليا عليهم فافعل»[40].
وعن أبي الربيع الشامي قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) والبيت غاص بأهله فيه الخراساني والشامي ومن أهل الآفاق فلم أجد موضعاً أقعد فيه، فجلس أبو عبد الله (عليه السلام) وكان متكئاً ثم قال: «يا شيعة آل محمد اعلموا أنه ليس منا من لم يملك نفسه عند غضبه ومن لم يحسن صحبة من صحبه ومخالقة من خالقه ومرافقة من رافقه ومجاورة من جاوره وممالحة من مالحه، يا شيعة آل محمد اتقوا الله ما استطعتم ولا حول ولا قوة إلا بالله»[41].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: عظموا أصحابكم ووقروهم ولا يتهجم بعضكم على بعض ولا تضاروا ولا تحاسدوا وإياكم والبخل كونوا عباد الله المخلصين»[42].
العولمة في السيرة النبوية
مسألة: السيرة النبوية الشريفة وسيرة أهل بيته المعصومين (عليهم السلام)، تؤكد على العولمة الإسلامية، فترى الرسائل التي بعثها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى رؤساء العالم يدعوهم فيها إلى الإسلام ليسلموا في دنياهم وآخرتهم، وينذرهم عاقبة التمرد والاستبداد، ويحمّلهم أوزار رعاياهم وشعوبهم إن هم بقوا على كفرهم، إلى غيرها مما يفصح عن دعوتهم إلى الانتماء إلى الأسرة الواحدة، والبيت الواحد، ألا وهو أسرة التوحيد، وبيت العدل والمحبة.
فقد أرسل (صلى الله عليه وآله) رسالة إلى كسرى أبرويز بن هرمز، بيد عبد الله بن حذاقة السهمي.
ورسالة إلى هوذا ملك اليمامة بيد سليط بن عمر العاري.
ورسالة إلى ملك الحبشة بيد عمر بن أمية.
ورسالة إلى النجاشي الأول بيد محمد بن أبجر.
ورسالة إلى المقوقس حاكم الأقباط بيد حاطب بن أبى بلتعة.
ورسالة إلى إمبراطور الروم هرقل، وعامله الحارث الغساني، بيد شجاع ابن وهب.
وكان هؤلاء هم العالم المعاصر للرسول (صلى الله عليه وآله) آنذاك.
وكان مضمون هذه الرسائل واحداً وإن اختلفت ألفاظها، وكلها تحكي عن الدعوة إلى الإسلام، والصلح، ومستقبل الحق والأمن والسلام في الدنيا والآخرة.
رسالة النبي (صلى الله عليه وآله)
إلى هرقل
فكانت رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى هرقل عظيم الروم: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، عبده ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين‎، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسين[43] ((قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولايتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)) [44]».
رسالة النبي (صلى الله عليه وآله)
إلى كسرى
وكانت رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى كسرى ملك إيران: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس: سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أدعوك بداعية الله عزوجل، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس».
رسالة النبي (صلى الله عليه وآله)
إلى النجاشي
وكانت رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى ملك الحبشة: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي الأضخم ملك الحبشة: بسلمٍ أنت، فإني أحمد إليك الله الذي ‎لا إله هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول لطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، حمله من روحه ونفخ كما خلق آدم بيده ونفخه، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وإن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله وقد بعثت إليك ابن عمي جعفر ونفراً من المسلمين، فإذا جاءك فأقرهم ودع التجبر، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عزوجل، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحي، والسلام عليكم وعلى من اتبع الهدى».
رسالة النبي (صلى الله عليه وآله)
إلى النجاشي الثاني
وكانت رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى النجاشي الثاني: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من النبي (صلى الله عليه وآله) إلى النجاشي عظيم الحبشة: سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني رسوله، فأسلم تسلم ((قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)) [45] فإن أبيت فعليك إثم النصارى».
رسالة النبي (صلى الله عليه وآله)
إلى المقوقس
وكانت رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المقوقس كبير القبط: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم القبط، و ((قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)) [46]».
رسالة النبي (صلى الله عليه وآله)
إلى ملك مصر
روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) كتب رسالة ثانية إلى المقوقس ملك مصر، وكان نصها: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى صاحب مصر، أما بعد، فإن الله أرسلني رسولاً، وأنزل علي قرآناً، وألزمني بالاعذار والإنذار ومقاتلة الكفار، حتى يدينوا ديني، ويدخل الناس في ملتي، وقد دعوتك إلى الإقرار لوحدانيته، فإن فعلت سعدت، وإن أبيت شقيت، والسلام».
رسالة النبي (صلى الله عليه وآله)
إلى صاحب دمشق
وكانت رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر: سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله وصدق، وإني أدعوك أن تؤمن بالله وحده لاشريك له، يبقى لك ملكك».
رسالة النبي (صلى الله عليه وآله)
إلى ملك البحرين
وكانت رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المنذر بن ساوي ملك البحرين: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي: سلم أنت، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله ممن أحب ذلك من المجوس فإنه آمن، ومن أبى فعليه الجزية».
رسالة النبي (صلى الله عليه وآله)
إلى ملك اليمامة
وكانت رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى هوذة بن علي ملك اليمامة: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي: سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر، فاسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك».
رسالة النبي (صلى الله عليه وآله)
إلى ملوك عمان
وكانت رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى جعفر و عبد النبي ملكي عمان: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى جعفر وعبد النبي الجلندي: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافةً لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام، فإنه زائل عنكما وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما».
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يراعي ‎بالإضافة إلى العبارات الأدبية والكلامية في رسائله، الأبعاد التبليغية، والأهداف السياسية والدبلوماسية، فترى الأمور التالية ظاهرة في رسائله ورسله:
1: الشجاعة والاعتماد الكامل بالنفس، فالشخص الدبلوماسي والرجل السياسي لابد أن يكون مطمئناً ومعتمداً اعتمادا كاملاً على شخصيته في إبلاغ ندائه وثقافته ورسالته لمخاطبيه.
2: الألقاب الرسمية المناسبة في تلك الرسائل، مثل: إلى هرقل عظيم الروم، إلى كسرى عظيم فارس، عظيم القبط، وغير ذلك.
3: الترغيب والتهديد المعقول والمناسب في ضمن رسالة واحدة، مثل: (أسلم تسلم).
4: الاستناد إلى الاستدلال والمنطق، عندما يكون مخاطبوه من أهل الكتاب، ومن له ثقافة عالية، مثل: الرسالة التي بعثها إلى النجاشي ملك الحبشة.
5: إبلاغ النداء النهائي للإسلام، وتحرير الإنسان، ونفي الاستثمار، وتشاهد هذه النقطة في خاتمة رسالته بآية: ((يا أهل الكتاب)) [47].
6: بقاء واستمرارية أعمال الحاكمية والقدرة ونفوذ السلطة في حالة الاستجابة لنداء الإسلام وقبول حاكمية الدولة الإسلامية، كما يظهر من رسالته إلى هوذة بن علي ملك اليمامة، والحارث بن أبي شمر الغساني ملك دمشق، والتأكيد عليهما في الرسالتين.
7: الاطمئنان من بسط نفوذه (صلى الله عليه وآله) وانتصار النداء، كما يظهر جلياً في ذيل رسالته إلى هوذة بن علي مشيراً إليه بقوله (صلى الله عليه وآله): «واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر».
وكانت ردود الفعل من قبل رؤساء الدول على نداء النبي (صلى الله عليه وآله) التبليغي متفاوتاً، فبعضهم استجاب لندائه العالمي الرباني، مثل: النجاشي الذي استجاب لدعوة التوحيد وتشرف بالدين الجديد، وأرسل هدية أيضاً إلى النبي (صلى الله عليه وآله).
ولكن البعض الآخر أصر على تكبره وتجبره من قبول دعوة التوحيد، والاستخفاف بنداء النبي (صلى الله عليه وآله)، مثل خسرو برويز ملك إيران حتى بعث اليه (صلى الله عليه وآله) برسالة تهديد.
والبعض الآخر كان متردداً في هذا الأمر، بين قبوله أو رفضه، مثل قيصر والمقوقس، اللذين كانا يخشيان ملتهما.
كما بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) برسائل أخرى إلى رؤساء القبائل والشيوخ، وأدت النتيجة إلى انتصاره (صلى الله عليه وآله) وبسط دولته العادلة ونفوذه على جميع أراضي الجزيرة العربية، وكانت قبائل العرب تأتي إليه (صلى الله عليه وآله) جماعات جماعات وأفواج أفواج معلنين عن استقبالهم لدين الإسلام والانضمام تحت راية التوحيد، كما قال تعالى:
((بسم الله الرحمن الرحيم، إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان تواباً)) [48].
ومن هنا يعرف أن دعوة الإسلام عالمية حيث يمكن تلخيص روح الرسالة الإسلامية في شعار التوحيد وهو«لا إله إلا الله» وهذا سر علو الإسلام وعطائه العالمي.
ولا ريب في أن أساس العقيدة الإسلامية المتمركزة في ذلك الشعار الخالد يمتلك أروع وأقوى إمكانية على المدى المتواصل عالمياً.
ثم إن انتشار الإسلام وبسرعة فائقة، ورغبة ملحة من الشعوب، في أكثر مناطق المعمورة، هو مصداق بارز للعولمة الإسلامية التي تنسجم مع فطرة الإنسان، وبكل أبعادها الفكرية والثقافية، والدينية والتعبدية، والسياسية والعسكرية، والاقتصادية والتجارية، وغير ذلك من الأبعاد الحيوية الأخرى.
ولقد حاربت كل من الإمبراطوريتين: الفرس والروم، الإسلام والمسلمين، وأخذت تجاهه مواقف عدائية، ورفضت الدين الجديد، والحضارة الجديدة، وذلك بدوافع من الخوف على معتقداتهم وان كانت سقيمة، والحذر من فقدان ما تركه لهم الآباء والأجداد وان كان هشاً، فحرموا بذلك أنفسهم وشعوبهم رحمة الإسلام وعدله، حيث إنهم لم يعيروا أهمية للثقافة الإسلامية، ولا للمعلومات الحضارية، ولا للقوانين السماوية التي جاء بها الإسلام لإسعاد الإنسان وإرغاد عيشه، وإعزاز شخصه فرداً ومجتمعاً.
العولمة وحقوق الإنسان
مسألة: ينبغي الالتفات إلى أن العولمة التي جاء بها الإسلام هي آخر صيغة في قاموس الحقوق ـ بما فيه من حقوق الإنسان ـ من حيث الصحة والأمانة، والجامعية والشمول، ولما كان وما يكون، ولم تكن هناك صيغة كهذه تجمع بين العدل والأخلاق والنمو والازدهار.
قال الله تعالى: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)) [49].
ومما يدل على ذلك رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) [50]، وخطب أمير المؤمنين (عليه السلام) ورسائله في نهج البلاغة كعهده (عليه السلام) إلى الأشتر النخعي[51] وما أشبه.
قال الراوي: وعظنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) موعظة ذرفت العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فما تعهد إلينا، قال: «لقد تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ بعدها إلا هالك، ومن يعش منكم يرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي بعدي وسنة الخلفاء الراشدين من أهل بيتي، فعضوا عليهم بالنواجذ وأطيعوا الحق ولو كان صاحبه عبدا حبشيا، فإن المؤمن كالجمل الألوف حيث ما قيد استقاد»[52].
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «أغلق أبواب جوارحك عما يقع ضرره إلى قلبك، ويذهب بوجاهتك عند الله تعالى، ويعقب الحسرة والندامة يوم القيامة، والحياء عما اجترحت من السيئات، والمتورع يحتاج إلى ثلاثة أصول: الصفح عن عثرات الخلق أجمع، وترك خطيئته فيهم، واستواء المدح والذم، وأصل الورع: دوام محاسبة النفس، والصدق في المقاولة، وصفاء المعاملة، والخروج من كل شبهة، ورفض كل عيبة وريبة، ومفارقة جميع ما لا يعنيه، وترك فتح أبواب لايدري كيف يغلقها، ولا يجالس من يشكل عليه الواضح، ولا يصاحب مستخف الدين، ولا يعارض من العلم ما لا يحتمل قلبه ولا يتفهمه من قائله، ويقطع عمن يقطعه عن الله عز وجل تعالى شأنه»[53].
نعم إن الإسلام قد سن حقوق الإنسان، حقوقاً رفيعة ولائقة به وبكرامته، ودافع عنها وناضل من أجلها.
وقد جعل الإسلام، الإنسان وحقوقه، هو المركز والمحور لعولمته التي جاء بها، وذلك نظراً لما يكون بين العولمة وحقوق الإنسان من ترابط وثيق، ومن تأثير كبير لكل واحد منهما على الآخر، ومن توقف نجاح وفوز، بل سعادة وسيادة كل منهما على الآخر، مما جعلهما كتوأمين لا ينفكّان.
نعم إن العلاقة بين حقوق الإنسان والعولمة قد تداخلت بشكل ملحوظ، وترابطت بصورة وثيقة، وذلك لأن العولمة وبكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أخذت تؤثر تأثيراً كبيراً وعميقاً على حقوق الإنسان في كل هذه الأبعاد المذكورة من سياسة واقتصاد، وثقافة واجتماع، وغير ذلك.
وقد أصبحت العولمة في إطارها العلمي النظري، الذي يدعو إلى تزايد التبادل، وتحقيق الاعتماد المتبادل على مستوى العالم، وإدارة المصالح المشتركة للبشرية ولصالح الناس، تبدو وكأنها ضرورة لا غنى عنها في التعامل مع كثير
من قضايا حقوق الإنسان، بعد اتساع هذه الحقوق وتداخلها على مستوى
العالم.
أجل يلزم أن تكون حقوق الإنسان بما للكلمة من معنى جزءً من القانون الدولي، ولم تعد الانتهاكات اليومية التي تحدث لحقوق الإنسان في أي مكان من العالم، من الشؤون الداخلية للدولة، بل تصبح من اهتمامات المجتمع الدولي ككل، وتتطلب تدخله فيها، فإن ذلك من حق الشعوب المضطهدة على عاتق المنظمات العالمية تجاه حكوماتهم الغاشمة وحكامهم الظالمين، رغم إن مقاييس هذا التدخل ما زالت غامضة ومثيرة للكثير من الجدل، والكبير من المناقشة.
إن دائرة حقوق الإنسان قد اتسعت اليوم اتساعاً كبيراً، بحيث أصبحت تتناول قضايا لا يمكن معالجتها في نطاق إقليمي محدود، وإنما يجب معالجتها على مستوى العالم، مثل الحق في تحقيق السلام الذي أصبح يحتاج إلى تصميمات أوسع نطاقاً من الدول المتنازعة والأطراف المتخاصمة.
وهكذا يكون الحق في تحقق التنمية، الذي أضحت فيه مسؤولية الدول القادرة متجلية واضحة تجاه الدول التي تنعدم فيها إمكانات التنمية لنقص الموارد وفقد المواد الخام.
وكذلك يكون الحق في امتلاك بيئة نظيفة، عديمة التلوث، فإن ما يحدث من حرائق في الغابات وغيرها يؤثر على العالم أجمع من حيث تلويث البيئة وفساد المناخ والأجواء.
المطالبة بحقوق الإنسان
مسألة: لقد علا جهاراً وفي كل أرجاء الأرض صوت المطالبة بالحقوق السياسية وكذلك المدنية للإنسان، ونال دعماً كبيراً في عصر العولمة، وإن كانت هناك سياسات حاكمة على هذه النداءات حيث لا ترضى إلا بمصالحها لا مصلحة الإنسان بما هو إنسان.
لقد أصبحت حقوق الإنسان هي لغة العصر التقدمية، للعوامل والأسباب التي نذكر بعضها، علماً بأن الإسلام هو الذي بين أفضل حقوق الإنسان وضمنها له.
السبب الأول:
سهولة الاتصالات والارتباطات وسرعة تناقل الأخبار والمعلومات، بحيث أصبحت الكرة الأرضية على أثرها كقرية صغيرة، وأسرة واحدة، فإن في وصول أخبار الانتهاكات وهدر الكرامات، وبسرعة فائقة من أدنى الأرض إلى أقصاها، وذلك عبر الفاكس والإنترنت وما أشبه، إضافة إلى وسائل الإعلام المختلفة التي جعلت كل الناس في الأرض يعيشون في رؤية وعلى مسمع من الجميع، هو نوع انتصار للإنسان ولحقوقه الضائعة، وإن كان الانتصار الحقيقي والكامل للإنسان لا يتحقق إلا في ظل الإسلام وعولمته العادلة، التي تجمع بين النمو والإزدهار والعدل والأخلاق.
نعم، بعد هذا التقدم الكبير في الارتباطات أصبح من الصعب إخفاء الانتهاكات التي يمارسها الحكام ضدّ الشعوب بالنسبة إلى حقوق الإنسان، وهذا يعتبر تطوراً هاماً وكبيراً يؤدى إلى تحقق الحريات الإنسانية، ورعاية حقوق الإنسان مستقبلاً، ويؤدي أيضاً إلى صعوبة إقامة الأسوار الحديدية مرة أخرى ومن جديد حول أي مجتمع من المجتمعات، وذلك بعد هذه الثورة في الاتصال، والقفزة في المعلومات والارتباطات المدهشة.
السبب الثاني:
حدوث منظمات وجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، فإن المنظمات الدولية وجمعيات حقوق الإنسان في العالم بما فيها منظمات وجمعيات العالم الثالث، استطاعت ولو بقدر من أن توصل صوت الإنسان إلى أخيه ومن إيجاد بعض الضغوط الدولية على من لا يحترم حقوق الإنسان، علماً بأنه من اللازم استقلالية هذه الجمعيات اقتصادياً وإعلامياً وسياسياً وما أشبه،حتى لا تخضع في عملها للدول الكبرى أو ما أشبه.
وعند ذلك يكون من السهل اليسير التحرك دولياً في مواجهة الانتهاكات المحلية، كما ويمكن خارجياً أن تجعل صوتاً عالمياً لمن يحرم من صوته، وفى هذا السبيل يمكن تجنيد جميع منظمات حقوق الإنسان في العالم كله للوقوف ضد هذه الانتهاكات ومساندة نشطاء حقوق الإنسان والدفاع عنهم.
ويمكن أن تصبح هذه المنظمات والجمعيات الحقوقية المنتشرة في الأرض بذرة صالحة لشجرة مثمرة، تثمر مجتمعاً مدنياً، على مستوى العالم، ولقد أدت شبكات الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة بما فيها الفاكس والجوّال والميديا العالمية دوراً هاماً في إقامة هذه المنظمات والجمعيات واستمراريتها.
نعم إن هناك بعض التلكؤ في تحقيق أهداف هذه المنظمات والجمعيات ناتجة عن عدم استقلالية بعض هذه المنظمات، ونفوذ بعض الدول الكبرى فيها، مضافاً إلى رفض بعض الحكومات المعاصرة لمنظمات حقوق الإنسان، أو حاصلة من ملاحقتها لها باستمرار، مما اضطر الكثير من هذه المنظمات إلى أن تستمد العون من الخارج، حتى أصبحت على اثر ذلك كأنها امتداد لتلك المنظمات الخارجية، وخسرت عندها التفاعل الحقيقي مع المؤسسات الوطنية والشعبية، كما وفقدت التعامل الصادق مع تلك الحكومات المعاصرة وشعوبها.
ولكن مع كل ذلك فقد حققت هذه المنظمات على اثر الضغط الإنساني الموجود، نجاحاً نسبياً، لكنه ليس بالمستوى المطلوب، الذي يطالب به الإسلام من حقوق الإنسان بما هو إنسان لكي يستطيع التقدم في مختلف مجالات الحياة خاصة ما يرتبط بالانفتاح في الحكم، ورعاية حقوق المعارضة، والتعددية السياسية، ونفي الاستبداد عند الحكام، واحترام حقوق الإنسان لدى الجميع.
السبب الثالث:
حصول ثورة تجارية عالمية ذات كرامة اقتصادية، والكرامة الاقتصادية تأتي بالكرامة الإنسانية، فإن التوسع المثير في حقل التجارة العالمية، والثورة التجارية هذه قد ضاعفت فُرص الاتصال بين المجتمعات المنفتحة والمجتمعات المنغلقة.
ومن المعلوم: أن هذا الاتصال المتكرر مع مختلف المؤسسات الاقتصادية الدولية يدفع إلى التعارف الأكثر، والتقدم الأكبر في مجال الوعي بالحريات الأولية من الانفتاح ونفي الاستبداد، علماً بان معظم الدول الغربية والشرقية، ومجموعة الدول الأوروبية، والمؤسسات العالمية الغربية المهتمة بعمليات التحول إلى اقتصاد السوق وصناديق التنمية، تتظاهر بالربط بين المساعدات التي تقدمها للدول النامية، وبين سجل حقوق الإنسان والتحولات السياسية: من نفي الاستبداد ودعم الانفتاح في هذه الدول.
واللازم أن تصبح قضية الدفاع عن حقوق الإنسان أمر حقيقي لا يمكن لأحد أن يتجاوزه.
ومن الواضح أن ازدهار الحريات ونفي الاستبداد يؤثر إيجابياً على حقوق الإنسان ويسبب كرامته السياسية والمدنية.
المسلمون والعولمة الغربية
مسألة: يلزم على الأمة الإسلامية ومثقفيها أن تتخذ الأسلوب المناسب تجاه مساوئ هيمنة العولمة الغربية.
فإن ما تقدم من تصريحات بوش الأب، واعترافات الخبير الأمريكي، والمواقف العملية للحكام الأمريكان، بل المواقف العملية لحكام الغرب والشرق كلهم، تتطلب منا ونحن في جانب آخر من العالم أن نحدّد موقفنا من هذه الهيمنة الغربية الظالمة، كما إن علينا ونحن نعيش في البلدان الإسلامية أن نقرر طريقة مواجهة هذا التحدي، وأسلوب هذه المواجهة، آخذين بالحسبان ما نحن مقبلين عليه من القرن الواحد والعشرين قرن تعارف الثقافات وتقاربها، واختيار الأحسن منها، كما قال تعالى: ((وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا... )) [54].
وقال سبحانه: ((فبشر عبادِ * الذين يستعمون القول فيتبعون أحسنه)) [55].
ويجب أن يكون ذلك بأساليب أكثر نجاحاً من تلك التي واجهنا بها سابقاتها، مثل مواجهة هجمات نابليون بونابرت على مصر أواخر القرن الثامن عشر، أو تلك التي قوبل بها سقوط الأمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى أوائل القرن العشرين.
والأسلوب الناجح هو اتباع سياسة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من سياسة السلم واللاعنف والاكتفاء الذاتي والتطور العلمي والعملي وما أشبه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق