الجمعة، 10 أبريل 2009


العولمة والنمو والفقر.. بناء اقتصاد عالمي شامل

عرض/ إبراهيم غرايبةيبحث الكتاب، وهو مجموعة من الدراسات، في تأثير التكامل الاقتصادي على الدول النامية، وبخاصة الشعوب الفقيرة التي تعيش في تلك الدول، ويعيش خمس سكان العالم على أقل من دولار واحد يوميا، وهو أمر غير مقبول في عالم ينعم بقدر هائل من الوفرة. ويناقش أساسا مقولة كيف يمكن للاقتصاد العالمي أن يدعم خفض الفقر إن كان ذلك ممكنا.
غلاف الكتاب-اسم الكتاب: العولمة والنمو والفقر: بناء اقتصاد عالمي شاملتقرير البنك الدولي عن بحوث السياسات-ترجمة: هشام عبد الله-عدد الصفحات: 217 -الطبعة: الأولى 2003-الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت
مؤشرات اقتصادية للعولمةيكشف التقرير عن ثلاثة مؤشرات اقتصادية للعولمة:
1- هناك مجموعة من الدول الفقيرة يبلغ عدد سكانها حوالي ألفي مليون نسمة اقتحمت السوق العالمي للصناعات التحويلية والخدمات، بعدما كانت صادراتها قبل 20 سنة تقتصر على السلع الأساسية. ومن أوضح الأمثلة على هذه الدول الهند والصين وفيتنام وبنغلاديش، ونقص عدد الفقراء في عقد التسعينات بمقدار 120 مليون شخص.
2- ثمة مجموعة أخرى من الدول الفقيرة التي يزيد عدد سكانها على ألفي مليون نسمة تحوز مكانة ضئيلة هامشية في الاقتصاد العالمي، وكانت نسبة مساهمتها في الاقتصاد في أواخر التسعينات أقل مما كان عليه الحال قبل 20 عاما، ومن هذه الدول أفغانستان والكونغو الديمقراطية.
3 – كشفت استطلاعات الرأي في مختلف البلدان عن قلق من الاندماج الاقتصادي والهيمنة الثقافية، برغم أن دولا كثيرة تشارك في الاقتصاد العالمي مع احتفاظها بخصوصيتها الثقافية مثل اليابان وماليزيا والصين والمكسيك والهند.
ويخلص التقرير إلى أن الاقتصاد العالمي دعم خفض الفقر، ولكن يمكن أن يكون أكثر تكاملا ونجاحا واهتماما بالدول الفقيرة والهامشية، وفي وسع الدول الغنية أن تفعل الكثير لمساعدة الدول المهمشة.
”رافق العولمة الاقتصادية موجات هجرة من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية التي تميل إلى تفضيل العمال المتعلمين مما يؤدي إلى استنزاف العقول من الدول النامية”موجات العولمة حدثت الموجة الأولى للعولمة خلال الفترة 1870-1914 حين فتح التقدم في مجال النقل الطريق أمام بعض الدول لاستخدام وفرة أراضيها لزيادة الإنتاج ومضاعفة الصادرات، وازدادت نسبة رؤوس الأموال الأجنبية بمقدار يزيد على ثلاثة أضعاف الدخل في دول أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وهاجر حوالي 60 مليون إنسان من أوروبا إلى أميركا الشمالية والعالم الجديد، وتدفق العمال من الدول الأكثر كثافة مثل الصين والهند إلى الدول الأقل كثافة مثل سريلانكا وفيتنام والفلبين وتايلند، وبلغ الحجم الكلي لهجرة العمال حوالي 10% من مجموع سكان العالم.
وكانت الموجة الثانية للعولمة بين عامي 1950 و1980 وهي موجة ركزت على التكامل بين الدول الغنية من خلال سلسلة عمليات تحرير التجارة متعددة الأطراف برعاية الاتفاقية العامة للتعرفات الجمركية والتجارة (الغات)، واقتصرت صادرات الدول النامية في هذه الفترة على السلع الأساسية.
وبدأت الموجة الثالثة منذ عام 1980 وارتبطت بتقدم تقنيات المعلوماتية والاتصال، وضاعفت في أثنائها مجموعة من الدول يبلغ عدد سكانها ثلاثة آلاف ملايين نسمة نسبة تجارتها ودخلها، وتوقف العدد الإجمالي للفقراء عن التزايد وهبط في الواقع بمقدار 200 مليون شخص، وتوقف أيضا عدم المساواة عن الارتفاع، واتسعت المشاركة في التصنيع العالمي، وارتفعت معدلات العمر والالتحاق بالمدارس.
البنية الدولية للتكامل الاقتصاديخفضت الكثير من الدول النامية من قيودها على المستوردات، وخفضت الرسوم الجمركية تخفيضا كبيرا، وقد ارتفعت الصادرات من المنتجات الصناعية للدول النامية من 25% عام 1980 إلى 80% عام 1998.
وما زالت الدول الغنية تفرض سياسات حمائية برغم انخفاض التعرفة الجمركية فيها، وهذه السياسات الحمائية مفروضة على سلع ومنتجات تتمتع الدول النامية بميزة نسبية بها، وتؤدي هذه السياسات إلى تكلفة على الدول النامية تقدر بمائة مليار دولار، وهو ضعف مجموع المساعدات التي تقدمها دول الشمال إلى دول الجنوب.
وخفضت الدول النامية القيود على الاستثمارات الأجنبية، وبرغم الفوائد الظاهرة للانفتاح الاقتصادي فإنه يؤدي إلى أضرار كبيرة، فقد حدثت كوارث اقتصادية في إندونيسيا وتايلند وكوريا والأرجنتين.
ورافق العولمة الاقتصادية موجات هجرة من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية، ومن الأرياف إلى المدن في داخل الدول، ولكن نسبة تدفق الأيدي العاملة المهاجرة هي أقل بكثير من الموجة الأولى للعولمة، ولا يزيد العدد الإجمالي للمهاجرين الذين يعيشون في دول ليسوا مواطنين فيها عن 2% من مجموع سكان العالم، وفي الوقت نفسه فإن الدول الغنية تواجه نسبة كبار السن في قواها العاملة مقابل نسبة الفتوة في الدول النامية، كما أن الزيادة السكانية في الدول النامية هي أكبر بكثير منها في الدول الغنية.
وتفرض الدول الغنية إجراءات مشددة على الهجرة، وهي تميل إلى تفضيل العمال المتعلمين، مما يؤدي إلى استنزاف العقول من الدول النامية، وقد يساهم تدفق الأيدي العاملة بقدر أكبر في خفض الفقر لو كانت سياسات الهجرة أكثر حيادية، وتسمح للعمال غير المهرة بالهجرة.
”بدون سياسات ترعى التقاليد المحلية فإن العولمة تقود فعلا إلى هيمنة الثقافة الأميركية، كما أن العولمة قد تضعف الحكم وتجعل بعض أدوات السياسة غير فعالة”التكامل الاقتصادي والسياسات العامة للدوليتأثر التكامل الاقتصادي بمجموعة من المؤسسات والسياسات المختلفة، فهو ليس نتيجة سياسة تجارية، وقد اتبعت دول مثل الصين والهند والمكسيك طرقا مختلفة في تحقيق التكامل لمواجهة القضايا المشتركة التي يتوجب مواجهتها، وتوفير تراتيب مؤسساتية وسياسات مختلفة، والقضيتان المهمتان اللتان لا بد من مواجهتهما هما المناخ الاستثماري والحماية الاجتماعية للعمال.
وتواجه بعض المؤسسات التجارية في الدول المنفتحة اقتصاديا منافسة أكبر، ولهذه المنافسة الكثير من الآثار الجيدة مثل خفض الأسعار والتكلفة وزيادة الجودة.
وتواجه الشركات في الدول النامية معوقات تمنعها من التنافس مع الشركات الأخرى مثل القواعد التنظيمية غير الفعالة والفساد وضعف البنية التحتية وضعف الخدمات المالية.
ومن أكثر الخاسرين بسبب العولمة هم العمال الذين يشتغلون في الصناعات المحمية، وكبار السن نسبيا الذين يواجهون صعوبات في التكيف مع التغيرات الاقتصادية.
وتحتاج المجتمعات والدول المتعولمة إلى أنظمة رعاية اجتماعية وضمان اجتماعي وتعليم لزيادة قدرة الفقراء وفئات المجتمع المختلفة على مواجهة المتطلبات الجديدة للأسواق وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.
السلطة والثقافة والبيئةأظهر استطلاع للرأي شمل 20 ألف شخص في 20 دولة قلقا متزايدا بين الناس من تأثير العولمة على الثقافة وحقوق الإنسان والبيئة والعدالة الاجتماعية.
وبدون سياسات ترعى التقاليد المحلية فإن العولمة تقود فعلا إلى هيمنة الثقافة الأميركية، كما أن العولمة قد تضعف الحكم، وتجعل بعض أدوات السياسة غير فعالة.
وثمة ادعاءات في بعض الدول النامية بأن بعض الشركات الأجنبية تلجأ إلى الضغط خلف الكواليس والرشوة للحصول على امتيازات معينة في مجال الاتصال والتعدين على سبيل المثال.
وتتسبب سبع دول صناعية في إطلاق أكثر من 70% من غاز ثاني أكسيد الكربون في العالم، والولايات المتحدة التي تشكل أقل من 4% من سكان العالم تطلق أكثر من 25% من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وهذا يحتاج إلى جهد عالمي لخفض إطلاق الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وكان بروتوكول كيوتو الذي رفضت الولايات المتحدة أن توقع عليه التزاما دوليا عالميا لمعالجة سخونة الأرض.
”هناك قلق عالمي من تزايد عدم المساواة وسخونة الأرض وضعف الحكومات والسيادة الوطنية وغياب سلطة منظمة سياسية مناسبة لمعالجة مشكلات قوى السوق العالمي”ما العمل؟تبدي الدول الفقيرة غير القادرة على الاندماج في الاقتصاد العالمي، والتي يعيش فيها حوالي ألفي مليون نسمة، قلقها من التهميش الاقتصادي ومن قدرتها على السيطرة على أراضيها.
فالفقر والاعتماد على تصدير المواد الأولية والتراجع الاقتصادي يغذي الصراعات المسلحة الداخلية، وغالبا ما تفتقر هذه الدول إلى الخدمات العامة، مما ينذر بتدهور الوضع الاجتماعي كما حدث في بعض الدول الأفريقية.
والدول النامية التي نجحت في اختراق الأسواق الصناعية تواجه أيضا تهديدا اجتماعيا وبيئيا يعرض الحكومات والمجتمعات المدنية فيها إلى مواجهة تحديات جديدة، كما أن حداثة نموها الاقتصادي ومشاركتها في الاقتصاد العالمي تجعلها قلقة من إغلاق الأسواق في وجهها، والخضوع لنزوات مستثمرين بعيدين، والقدرة على الدخول في المنافسة العالمية في أسواقها المحلية وفي الخارج أيضا.
والدول الغنية أيضا يقلقها من العولمة الإرهاب، والفروق الكبيرة المتنامية بين مواطنيها، وخسارة وظائف تصنيعية للدول متدنية الأجور.
وهناك قلق عالمي من تزايد عدم المساواة، وسخونة الأرض، وضعف الحكومات والسيادة الوطنية، وغياب سلطة منظمة سياسية مناسبة لمعالجة مشكلات قوى السوق العالمي.
والعمل برأي معدي التقرير هو أن يترك للدول حرية اتباع النهج المؤسساتي الذي تريد إجراءه في مجال المعايير البيئية، والرعاية الاجتماعية، والحفاظ على الثقافة، وتطوير مناخ استثماري يصاحب الانفتاح الاقتصادي يجعله مفيدا وعادلا، مثل مكافحة الفساد، والتشريعات والسياسات المشجعة على الاستثمار والتنافس والتي تمنع الاحتكار، والاستثمار في التعليم، وبناء مؤسسات ومرافق للصحة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية.
ويجب على الدول الغنية زيادة مساعداتها للدول الفقيرة، وإدارة هذه المساعدات على نحو أفضل لتتمكن هذه الدول والمجتمعات من إجراء التغييرات المطلوبة للتكيف مع الاقتصاد العالمي ومواجهة التداعيات المرافقة لها، مثل فقد كثير من الوظائف، وزيادة تكاليف السلع والخدمات الأساسية، وتخفيف المعاناة الموجودة في بعض الدول بسبب الأمراض والأوبئة كالملاريا والإيدز، وتوفير الأدوية والمبتكرات الصحية لمن يمكن أن يستفيدوا منها.
وسيكون تخفيف عبء الدين نوعا من المساعدة، فالكثير من الدول الأفريقية على سبيل المثال ترزح تحت أعباء من الديون لا يمكنها احتمالها، وسيؤدي تخفيف أعباء الدين عن هذه الدول إلى زيادة قدرتها على خفض الفقر والمساهمة في الاقتصاد العالمي مع ضرورة دفع هذه الدول إلى تطبيق سياسات إصلاحية في الحكم والإدارة والتشريع والقضاء لتحسين المناخ الاستثماري والخدمات الاجتماعية فيها.
وقد يؤدي الانخفاض الكبير الذي حدث في تكاليف الاتصالات والمعلومات والنقل لجعل العولمة ذات مزايا وفرص للناس للتعاون ومواجهة مشكلاتهم وزيادة الوعي والرقابة العالمية على أنشطة وأداء الحكومات والشركات الكبرى وحماية البيئة والحقوق الأساسية وتحقيق العدالة والمساواة ورفع الظلم والاعتداء عن المستضعفين.
وقد أظهرت تقارير منظمة الأغذية والزراعة الدولية أن العولمة والتحرر الاقتصادي تزيد من التصحر والتلوث، وبخاصة من الأنشطة القائمة على قطع الأشجار كما يحدث على نطاق واسع في المناطق الاستوائية، والاعتداء على الأراضي الزراعية، ويمكن باتباع سياسات عادلة أن تضبط عمليات تصنيع وتجارة الأخشاب دون الإضرار باقتصاد البلدان القائمة عليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق